أنا و السياسة.. القصة كما رأيتها!

الكاتب: لحسن لبكوري حديثي عن السياسة ليس حديث رجل لابنه يقدم له وصايا الحياة لتجاوز تحديات العيش و الاستثمار في فرص النجاة و انما حديث عقل و منطق تفكير تراكم بتجربة لا تتطلب اكثر مما يدعوا خطباء المجالس و البرلمانات و كأنها علم عباقرة الكون و لا كما يردده أساتذة الجامعات و محاضري الندوات ، اليكم القصة كما رأيتها و عايشتها . يخيل للمتتبع لشؤون السياسة ان ثمة ترتيبا معينا او خطة مرسومة بدقة في الممارسة السياسية لكن الحقيقة أن مجرد التبصر في دواليبها تتبين انها متاهة لا خرائط فيها و موائد تتقلب فوقها المواقف و التحالفات المعقدة، و رغم ذلك فاللعبة ليست واضحة المعالم ، و ليست حتى رقعة شطرنج يمكن التنبؤ بحركاتها القادمة، إنها بصراحة أقرب إلى حقل ألغام مخفي، تتغير تضاريسه كل لحظة، وتباغت حتى أعقل اللاعبين فيه وأذكاهم. فالسياسة، في مفهومها العميق، لا يمكن اختزالها في مجموعة قرارات ناتجة عن منطق متماسك، بل تفاعل مضطرب بين المصالح، والضغوط، و المرحلة، والحسابات الداخلية والخارجية، و من يظن أن بمقدوره تفسير أي موقف سياسي بمعيار أخلاقي أو بقراءة سطحية، يسيء الفهم ويقع في فخ التبسيط القاتل

أنا و السياسة.. القصة كما رأيتها!
   hibapress.com
الكاتب: لحسن لبكوري حديثي عن السياسة ليس حديث رجل لابنه يقدم له وصايا الحياة لتجاوز تحديات العيش و الاستثمار في فرص النجاة و انما حديث عقل و منطق تفكير تراكم بتجربة لا تتطلب اكثر مما يدعوا خطباء المجالس و البرلمانات و كأنها علم عباقرة الكون و لا كما يردده أساتذة الجامعات و محاضري الندوات ، اليكم القصة كما رأيتها و عايشتها . يخيل للمتتبع لشؤون السياسة ان ثمة ترتيبا معينا او خطة مرسومة بدقة في الممارسة السياسية لكن الحقيقة أن مجرد التبصر في دواليبها تتبين انها متاهة لا خرائط فيها و موائد تتقلب فوقها المواقف و التحالفات المعقدة، و رغم ذلك فاللعبة ليست واضحة المعالم ، و ليست حتى رقعة شطرنج يمكن التنبؤ بحركاتها القادمة، إنها بصراحة أقرب إلى حقل ألغام مخفي، تتغير تضاريسه كل لحظة، وتباغت حتى أعقل اللاعبين فيه وأذكاهم. فالسياسة، في مفهومها العميق، لا يمكن اختزالها في مجموعة قرارات ناتجة عن منطق متماسك، بل تفاعل مضطرب بين المصالح، والضغوط، و المرحلة، والحسابات الداخلية والخارجية، و من يظن أن بمقدوره تفسير أي موقف سياسي بمعيار أخلاقي أو بقراءة سطحية، يسيء الفهم ويقع في فخ التبسيط القاتل و غالبا هذا ما يحدث من بعض متناولي الأحداث و الوقائع السياسية. ففي هذا الفلك لا تكفي النية الطيبة، ولا تنجح دائمًا القرارات الذكية، إذ قد تؤدي مبادرة محسوبة إلى نتيجة عكسية، وتُشعل فتيل انفجار غير محسوب. و لا شك أن التحالفات ، تلك التي يراها البعض من متتبعي السياسة عقود وفاء أبدية، ما هي إلا مراكب تُركب حينًا وتُترك حينًا، فنجد أن أصدقاء الأمس أصبحوا خصوم اليوم، وأعداء الأمس يجلسون فجأة على طاولة التنسيق المشترك، أمر عجيب.. لا مبادئ راسخة ثابتة، بل مصالح متغيرة تُعيد تشكيل المواقف السياسية. مخطئئ من يظن أن خارطة السياسة وممارساتها اليوم ستبقى نفسها غدًا، فما يبدو أمامك و لعموم المتتبعين ثابتًا في السياسة، لا يلبث أن يتحوّل، وما يُبنى عليه تحليل محكم، قد ينهار تحت أول ريح صفقة ربحية. و لعل أهم ما يشيروا اليه مفكرو علم السياسة والإدارة العامة أن كل قرار سياسي هو ابن لحظته، محاط ببيئة اجتماعية، وضغوط اقتصادية، وإكراهات إقليمية، وتوازنات دقيقة. وحتى القرارات السياسية سواءا منها الحزبية او الحكومية الصادرة عن النخبة الذكية او ممثلوا الأمة قد لا يكون ناتجًا عن حريتها المطلقة حتى و ان إختلفت عن مبادئ و قيم مؤسساتها، بل يأتي غالبًا كحصيلة مساومات، وتسويات، وتنازلات تجنبًا لما هو أسوأ وهذا الأمر مخفي عن الجماهير، و لهذا أرى أن الصناعة السياسية ليست عملًا عقلانيًا صرفًا، بل معادلة صعبة يخالطها التوتر والخوف، والمراوغة والمناورة، والتوقعات القلقة، وفي حالات كثيرة، يُبنى القرار على أساس: «كيف نُقلّل الخسائر؟» وليس «كيف نُحقق الأهداف؟». نعم، أؤمن كأكاديمي و باحث في علوم الإدارة العامة والسياسة العامة أن هناك نماذج عقلانية للتخطيط، ومحاولات للترشيد في السلوك السياسي والإداري، لكن الواقع والحقيقة أن الفعل السياسي ليس ميدانًا لتطبيق المثاليات والثوابت، بل حلبة يقف فيها كل طرف على أطراف أصابعه، يراقب، ويراوغ، ويعدّل خططه في كل ساعة. والمفاجآت جزء من طبيعتها، تمامًا كما أن الفوضى ليست خللًا فيها، بل جزء من أدواتها. من هنا، هذه دعوة لعموم القراء ومتابعي الأحداث السياسية، فليعلموا أن كل قراءة متعجلة، وكل حكم نهائي على قرار سياسي، هو مغامرة فكرية حكمية غير محسوبة، فالتواضع في قراءة السياسة ليس ضعفًا، بل حكمة، ومن لم يتعلّم من التاريخ أن السياسة قادرة على قلب الصديق إلى عدو، والعدو إلى شريك، فليعد قراءته للتاريخ من جديد. فلا تنخدعوا ولا تُراهنوا على صلابة التحالفات، فغد السياسة يولد من رحم مفاجآت اليوم. وإن أردتم أن تفهموا السياسة، فابدأوا أولًا بالاعتراف.. أن لا أحد يفهمها تمامًا.