هبة بريس- عبد اللطيف بركة
تمر سوريا في مرحلة حرجة منذ أكثر من عقد من الزمن، حيث أصبحت ساحة لتجاذب القوى الإقليمية والدولية، بينما يعاني شعبها من آثار مدمرة للحرب المستمرة.
الصراع المستمر بين الفصائل، من جهة، والفوضى والفساد من جهة أخرى، يطرح تساؤلات بشأن مستقبل البلاد وآفاقها السياسية والاجتماعية.
تطورات جديدة: بين الحلول المؤقتة والمستقبل الغامض
منذ بداية الحرب الأهلية السورية في عام 2011، شهدت البلاد تغيرات دراماتيكية على عدة أصعدة: سياسية، عسكرية، اقتصادية، واجتماعية. في الوقت الذي يبدو فيه أن النظام الحاكم قد نجح في استعادة السيطرة على العديد من المناطق التي كانت قد خرجت عن سيطرته، لا يزال هناك تحديات كبيرة تواجه استقرار البلاد.
هروب الحارس والمحروس يمثل، في سياق الوضع السوري، معضلة متعددة الأبعاد.
فالحارس، الذي يشير إلى النظام الحاكم والجهات الأمنية التي تمسك بزمام السلطة، قد يجد نفسه في موقف الدفاع المستمر عن بقاءه في السلطة، في وقت تتصاعد فيه الانتقادات والضغوط الداخلية والخارجية.
بينما المحروس، الذي يمثل الشعب السوري، يجد نفسه في مواجهة مع واقع مرير من الدمار والفقر وتفشي الفساد، إذ يحاول التكيف مع ظروف قاسية للغاية.
لقد أظهرت التطورات الأخيرة في سوريا، وخاصة مع عودة العلاقات الدبلوماسية مع بعض الدول العربية، بداية نوع من الانفتاح السياسي. ومع ذلك، لا تزال هناك العديد من الملفات المفتوحة، مثل مسألة إعادة إعمار البلاد، وحقوق الإنسان، والحريات السياسية، والتي تظل عائقًا أمام تحقيق الاستقرار الدائم.
الصراع بين الفضائل والفوضى
في قلب الصراع السوري، تتجلى معركة بين "الفضائل" التي تمثل القيم الإنسانية الأساسية مثل الحرية، العدالة، والمساواة، والفوضى التي تتغذى على العنف والفساد.
النظام الحاكم في دمشق قد يعتبر نفسه "الحارس" للثوابت الوطنية والحفاظ على الدولة، بينما يراه الكثيرون كمسبب للدمار والتمزق الاجتماعي.
من جهة أخرى، فإن المحروس - الشعب السوري - الذي يعاني من شظف العيش والفقر، يطالب بالتغيير والعدالة.
ولكن في غياب حكم القانون والشفافية، أصبح من الصعب تحقيق هذه المطالب في ظل التحديات الاقتصادية والعسكرية. الصراع المستمر بين مختلف القوى داخل سوريا، بالإضافة إلى تدخلات القوى الأجنبية، قد يعقد أي محاولة للتوصل إلى حل سياسي شامل.
آفاق المستقبل: التحديات والفرص
مستقبل سوريا لا يزال غامضًا. على الرغم من أن بعض مؤشرات الانفراج بدأت تظهر، مثل عودة بعض الاستثمارات العربية إلى البلاد وإعادة افتتاح السفارات في دمشق، إلا أن الوضع الداخلي يبقى متأزمًا.
فالحكومة السورية لا تزال تهيمن على السلطة في معظم المناطق، بينما مناطق أخرى، مثل الشمال الشرقي والشمال الغربي، تظل تحت تأثير الفصائل المسلحة والقوى الكردية.
الاقتصاد السوري في حالة انهيار، حيث يعاني من انخفاض قيمة العملة وتدهور مستويات المعيشة.
إعادة الإعمار تتطلب مليارات الدولارات، وهو ما يصعب تحققه في ظل الحصار والعقوبات الاقتصادية.
كما أن آفاق المصالحة الوطنية تظل ضبابية في ظل استمرار الانقسامات العميقة بين مختلف الأطراف.
إن الصراع القائم في سوريا، الذي يمكن وصفه بـ"صراع الفضائل والفوضى"، يشكل تحديًا كبيرًا ليس فقط للشعب السوري، بل أيضا للقوى الدولية والإقليمية المعنية بالأزمة.
بينما يبقى الأمل في التوصل إلى حل سياسي بعيد المنال، إلا أن الفوضى المستمرة قد تمنح فرصًا للتغيير على المدى البعيد.
إن آفاق سوريا في المستقبل القريب ستعتمد بشكل كبير على قدرتها على إعادة بناء مؤسساتها، وتحقيق المصالحة الوطنية، وضمان حقوق الإنسان، بينما تظل تحديات الحرب والدمار تؤثر بشكل عميق على كل جوانب الحياة اليومية في البلاد.