هبة بريس- عبد اللطيف بركة
تُعد حرائق الغابات واحدة من أبرز التحديات البيئية التي يواجهها المغرب، خاصة في ظل التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة.
في السنوات الأخيرة، شهدت البلاد زيادة في عدد وحجم حرائق الغابات التي تسببت في تدمير مساحات واسعة من الغطاء النباتي، مما يهدد التنوع البيولوجي ويسهم في تفاقم مشكلة التصحر.
لمكافحة هذه الظاهرة، اعتمد المغرب مجموعة من الاستراتيجيات والتدابير، إلا أن هناك العديد من الثغرات والخصاصات التي ينبغي معالجتها.
1. استراتيجية المغرب لمكافحة حرائق الغابات:
أ. الإطار القانوني والمؤسساتي:
تمثل السياسات الحكومية والإطار القانوني جزءاً أساسياً من استراتيجية مكافحة حرائق الغابات في المغرب. من أبرز هذه السياسات:
المخطط الوطني للوقاية من حرائق الغابات: وهو عبارة عن مجموعة من التدابير الوقائية التي تشمل تنظيف الغابات من الأعشاب والأشجار الجافة، وكذلك بناء خطوط حاجزة للنيران.
تنسيق المؤسسات والهيئات: هناك تنسيق بين مجموعة من المؤسسات الحكومية مثل وزارة الفلاحة والصيد البحري، وزارة الداخلية، والهيئات المحلية التي تشارك في التصدي لهذه الكوارث. كما يتم الاستفادة من تجارب دولية في مجال مكافحة الحرائق.
ب. الوقاية والتوعية:
تسعى الاستراتيجية الوطنية إلى تقليل وقوع حرائق الغابات من خلال حملات توعية موجهة إلى السكان المحليين وزوار الغابات. تركز هذه الحملات على المخاطر المرتبطة بالحرائق وكيفية التعامل معها، فضلاً عن تحسيس السكان بأهمية احترام القوانين المتعلقة بالحرائق.
ج. الاستعداد والتدخل:
تعزيز قدرات الدفاع المدني: تم تكثيف جهود التدريب والمعدات لمواجهة الحرائق بسرعة وفعالية. تشمل هذه الجهود توفير فرق إطفاء مؤهلة وتجهيزها بالمعدات اللازمة مثل الطائرات المائية.
الخطط العملياتية: تشمل تحديد المناطق الأكثر عرضة للحرائق ووضع خطط طوارئ مع تحديد مسارات إخلاء آمنة للمواطنين والمرافق الحيوية.
د. الموارد المالية والبشرية:
التمويل: يتم تخصيص ميزانيات سنوية لتمويل برامج مكافحة الحرائق. كما يتم توجيه الدعم المالي لبعض المشاريع المحلية مثل بناء الجدران الوقائية وفتح الطرق الإقليمية لتسهل الوصول إلى المناطق الأكثر تأثراً.
العمالة: يتم تخصيص فرق عمل موسمية، خاصة في فصل الصيف، تتكون من رجال إطفاء محليين ومتطوعين من المجتمع المدني.
2. الخصاص الحاصل في هذا الملف:
رغم الجهود المبذولة لمكافحة حرائق الغابات، فإن هناك العديد من النواقص التي تؤثر على فعالية هذه الاستراتيجية:
أ. نقص في الموارد البشرية المتخصصة:
نقص في فرق الإطفاء المدربة: رغم وجود فرق موسمية، إلا أن هناك نقصاً في عدد الفرق المدربة بشكل مستمر على كيفية التعامل مع الحرائق الكبرى التي تكون صعبة السيطرة عليها.
نقص المتطوعين المتخصصين: في المناطق النائية، غالباً ما تكون هناك صعوبة في تعبئة المتطوعين المحليين الذين يمتلكون مهارات كافية لمكافحة الحرائق.
ب. التمويل غير الكافي:
نقص التمويل: على الرغم من تخصيص ميزانيات لبعض البرامج، إلا أن التمويل المخصص لمكافحة الحرائق لا يلبي الحاجة في العديد من الحالات، خاصة في حالات الطوارئ حيث تكون هناك حاجة لتمويل عاجل لدعم فرق الإطفاء وشراء معدات جديدة.
اعتماد محدود على التكنولوجيا الحديثة: تتطلب مكافحة حرائق الغابات تقنيات حديثة لمراقبة الغابات في الوقت الفعلي باستخدام الطائرات المسيرة (درون) أو الأقمار الصناعية. لكن المغرب لا يزال بحاجة إلى مزيد من الاستثمار في هذه التكنولوجيا المتقدمة.
ج. التغيرات المناخية والبيئية:
التغيرات المناخية: يشهد المغرب تأثيرات سلبية للتغيرات المناخية، مثل ارتفاع درجات الحرارة وتقلبات الطقس، مما يزيد من احتمالات نشوب الحرائق في مناطق لم تكن عرضة لها من قبل.
الجفاف: يعتبر الجفاف أحد الأسباب الرئيسية وراء تصاعد حرائق الغابات، حيث تكون الغابات أكثر عرضة للاحتراق بسبب انخفاض مستويات الرطوبة.
د. البنية التحتية الضعيفة:
الطرق والمواصلات: في بعض المناطق الجبلية والوعرة، لا توجد طرق جيدة تسهل الوصول إلى مواقع الحرائق، مما يزيد من صعوبة التدخل السريع.
نقص المحطات المبكرة للكشف عن الحرائق: لا تزال بعض المناطق تفتقر إلى أنظمة متقدمة لرصد الحرائق بشكل مبكر، مما يزيد من صعوبة التعامل معها في مراحلها الأولى.
3. الاقتراحات لتحسين الاستراتيجية:
أ. زيادة الاستثمار في المعدات والتكنولوجيا:
أعلن عبد الوافي الفتيت، وزير الداخلية المغربي، عن استراتيجية حكومية شاملة لمكافحة حرائق الغابات في الفترة 2023-2030، بتكلفة تصل إلى 1.5 مليار درهم.
تشمل الخطة تعزيز أسطول التدخل الأولي بشراء 29 مركبة جديدة للوكالة الوطنية للمياه والغابات و90 مركبة للوقاية المدنية، بالإضافة إلى استخدام طائرات "كنادير" وطائرات درون لمتابعة الحرائق.
كما تم تطوير نموذج رقمي مغربي للتنبؤ بالحرائق، إلى جانب إنشاء لجان إقليمية ومركزية لضمان استجابة سريعة. يهدف المخطط إلى تقليل الأضرار البيئية وحماية التنوع البيولوجي عبر تنظيم فعال وتكنولوجيا متطورة.
يجب توجيه استثمارات أكبر في التكنولوجيا الحديثة مثل الأقمار الصناعية والطائرات المسيرة لتتبع الحرائق عن كثب.
توفير المزيد من الطائرات المائية والمروحيات للحد من توسع الحرائق.
ب. تعزيز التكوين والموارد البشرية:
تدريب المزيد من الفرق المتخصصة في مكافحة الحرائق وتوفير تكوين مستمر للفرق الحالية.
إطلاق برامج لتأهيل وتدريب المتطوعين المحليين على كيفية التصدي للحرائق.
ج. التحسين في البنية التحتية:
بناء طرق ومرافق لوجستية في المناطق الجبلية والنائية لتسهل الوصول إلى مواقع الحرائق.
إنشاء محطات إنذار مبكر في الغابات ودمجها مع نظم مراقبة الطقس.
د. تدعيم العمل المشترك مع المجتمع المدني:
تعزيز الشراكات مع الجمعيات المحلية والمجتمع المدني لتنظيم حملات توعية مشتركة ولتنظيم الفرق التطوعية في المناطق المهددة.
رغم الجهود التي يبذلها المغرب في مكافحة حرائق الغابات، إلا أن الاستراتيجية الحالية لا تزال بحاجة إلى المزيد من الموارد البشرية والمالية، فضلاً عن تطوير تقنيات الرصد المبكر وتحديث البنية التحتية.
من خلال تعزيز التعاون بين جميع الأطراف المعنية وتوسيع نطاق برامج الوقاية، يمكن للمغرب تحسين فعاليته في مواجهة هذه الكارثة البيئية.