الدولة الاجتماعية.. هل يسير البرلمان في ذات التوجه و بنفس السرعة؟
هبة بريس ـ ياسين الضميري
منذ فجر الاستقلال، كان البرلمان المغربي في طليعة المؤسسات التي شهدت التحديات الكبرى و التحولات عميقة، يواصل السير بخطى ثابتة، بقبة تعج بأصوات النقاشات التي تبرز شجاعة الرأي وقوة الحجة.
في السنوات التي سبقت دستور 2011، كان البرلمان عبارة عن مسار طويل من البحث عن التوازن بين تطلعات الشعب و رغبات الحكومات المتعاقبة، كانت الدولة حينها تشهد انتقالات هادئة بين مراحل الاستقرار والتنمية، ولكن البرلمان ظل يفتقر إلى الفاعلية المطلوبة في معركة التحول الديمقراطي.
لم يكن البرلمان قبل 2011 سوى شاهد على الزمن، يتنقل بين إرث من القرارات الجافة والتسويات السياسية التي كانت تترك بصماتها على صفحات تاريخ المملكة، كانت الأصوات البرلمانية تأتي أحيانا وكأنها تهمس في زوايا القاعة، تسائل عن دورها الحقيقي في وطن يتطلع إلى الديمقراطية والعدالة، كانت فصول كثيرة من التوتر السياسي تجعل من البرلمان منبرا مجاورا للسلطة أكثر منه مؤسسة تعمل على ترسيخ الحقوق الشعبية وتعزيز المشاركة السياسية.
ثم جاء عام 2011، ليكون بداية عهد جديد في تاريخ المغرب، كان الدستور الجديد كفجر يفتح آفاقا رحب
hibapress.com
هبة بريس ـ ياسين الضميري
منذ فجر الاستقلال، كان البرلمان المغربي في طليعة المؤسسات التي شهدت التحديات الكبرى و التحولات عميقة، يواصل السير بخطى ثابتة، بقبة تعج بأصوات النقاشات التي تبرز شجاعة الرأي وقوة الحجة.
في السنوات التي سبقت دستور 2011، كان البرلمان عبارة عن مسار طويل من البحث عن التوازن بين تطلعات الشعب و رغبات الحكومات المتعاقبة، كانت الدولة حينها تشهد انتقالات هادئة بين مراحل الاستقرار والتنمية، ولكن البرلمان ظل يفتقر إلى الفاعلية المطلوبة في معركة التحول الديمقراطي.
لم يكن البرلمان قبل 2011 سوى شاهد على الزمن، يتنقل بين إرث من القرارات الجافة والتسويات السياسية التي كانت تترك بصماتها على صفحات تاريخ المملكة، كانت الأصوات البرلمانية تأتي أحيانا وكأنها تهمس في زوايا القاعة، تسائل عن دورها الحقيقي في وطن يتطلع إلى الديمقراطية والعدالة، كانت فصول كثيرة من التوتر السياسي تجعل من البرلمان منبرا مجاورا للسلطة أكثر منه مؤسسة تعمل على ترسيخ الحقوق الشعبية وتعزيز المشاركة السياسية.
ثم جاء عام 2011، ليكون بداية عهد جديد في تاريخ المغرب، كان الدستور الجديد كفجر يفتح آفاقا رحبة أمام مؤسسة البرلمان، هكذا، أصبح البرلمان بعد 2011 أكثر انفتاحا على التحديات المعاصرة وأشد استعدادا لمواكبة متطلبات الدولة الحديثة.
تغيرت أدوار النواب، وعادت قبة البرلمان لتكون ساحة حية لدور أساسي في صناعة القرارات، حيث أصبح الصوت البرلماني لا يعكس مجرد تمثيل للشعب و حسب بل أصبح صوته محركا للتغيير في قلب المجتمع المغربي.
الآن، وبينما نعيش الزمن الجديد في ظل الدولة المجتمعية، أصبح البرلمان المغربي يجسد حلم الأمة في تحقيق العدالة الاجتماعية، ويعكس التحولات الاجتماعية التي تمر بها المملكة، أصبح البرلمان اليوم أكثر من مجرد مؤسسة تشريعية، بل حاضنة للآمال، مركزا للجهود التي تتلاقى حول مفاهيم العدالة و المساواة و التضامن الاجتماعي، في إطار الدولة التي تسعى إلى ضمان رفاه مواطنيها.
سيرورة تطور البرلمان، من كونه شاهدا تاريخيا على مرحلة سابقة، إلى أن يصبح الركيزة الأساسية في بناء الدولة الاجتماعية، هي رحلة ترسخ فيها المؤسسات، وتتجذر فيها العدالة التي طالما نادى بها المغاربة، فاليوم، أصبح البرلمان المغربي ينبض بحياة جديدة، وحلم جديد، حيث كل خطوة تشريعية تقطعها المؤسسة هي إسهام في بناء مغرب أكثر إنسانية وعدالة.
ومع كل هذا التقدم، يبقى التساؤل مطروحا، كيف سيساهم البرلمان المغربي في تعزيز ركائز وأسس الدولة الاجتماعية التي أقرها جلالة الملك وأرستها الحكومة، والتي بدأت تنعكس إيجابا على حياة المواطن المغربي؟ وكيف سيواصل البرلمان مهمته في ضمان استفادة الشعب من هذه المكاسب، وترسيخ العدالة الاجتماعية في كل أبعادها؟
من البرلمان التقليدي إلى البرلمان المواطن و الاجتماعي
يعتبر التوجه نحو الدولة الاجتماعية أحد أبرز الرهانات الكبرى التي طرحها المغرب في السنوات الأخيرة، هذا التوجه يرتكز على تعزيز العدالة الاجتماعية وتوسيع شبكة الأمان الاجتماعي وتحقيق الرفاه للمواطنين من خلال سياسات تهدف إلى تحسين الخدمات الصحية والتعليمية والحد من الفوارق الاجتماعية و المجالية.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة مفاده: هل يسير البرلمان المغربي في نفس التوجه وبنفس السرعة التي تحققت في العديد من القطاعات و المؤسسات الأخرى؟
منذ نشأته، كان البرلمان المغربي يشهد تطورا مستمرا في دوره ووظائفه، فقد بدأ كمؤسسة تشريعية تقليدية، حيث كانت الأنظار تتجه غالبا إلى عملية التشريع ومراقبة الحكومة، لكن، مع مرور الزمن، أخذ البرلمان على عاتقه مسؤوليات أكثر تعقيدا وأوسع نطاقا.
في الماضي، كان البرلمان يبدو في كثير من الأحيان بعيدا عن هموم المواطن العادي، حيث كانت الحوارات تتم بين صفوف النخب السياسية في غرف و صالونات مغلقة، كما كانت المشاركات الشعبية في صنع القرار محدودة، مما جعل البرلمان في نظر البعض مؤسسة شديدة البيروقراطية، تفتقر إلى التواصل الفعلي مع المواطنين.
لكن منذ دستور 2011، بدأ المغرب يشهد تحولا حقيقيا في طبيعة عمل البرلمان، فقد أصبح هذا الأخير أكثر انفتاحا على هموم المواطن، وأكثر قدرة على التفاعل مع تطلعاته، و لم يعد البرلمان مجرد منصة للموافقة على القوانين، بل أصبح برلمان المواطن، الذي يلتزم بالاستماع إلى آراء المواطنين، وتسهيل وصولهم إلى العملية التشريعية، و من خلال اللقاءات الدورية مع الفاعلين المدنيين والجمعويين، بات البرلمان يلتقط نبض المجتمع بشكل أكبر ويعكس حاجاته في القوانين التي يصادق عليها.
هذه النقلة لم تقتصر على المجال التفاعلي فقط، بل امتدت لتشمل القيم الاجتماعية، مع صعود مفهوم الدولة الاجتماعية، أصبح البرلمان المغربي يمثل صوتا للدفاع عن العدالة الاجتماعية، حيث أصبح يمثل الأداة التي تسن من خلالها القوانين التي تحمي حقوق الفئات الهشة في المجتمع، بما في ذلك الفئات الضعيفة مثل النساء، الشباب، والفئات المعوزة.
كما أصبح البرلمان أكثر التزاما في سن تشريعات تسعى إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، من خلال تشجيع سياسات التعليم، الصحة، والعمل التي تخدم بشكل عادل جميع شرائح المجتمع.
لكن ما يميز هذا التحول بدرجة أكبر هو الرقمنة التي دخلت في صلب عمل البرلمان المغربي، فأصبح لدى المواطنين اليوم القدرة على متابعة الجلسات البرلمانية مباشرة، وتقديم مقترحاتهم عبر المنصات الإلكترونية، هكذا، تحول البرلمان من مؤسسة مغلقة إلى منصة تفاعلية تسمح للجميع بالمشاركة في الحياة السياسية.
البرلمان الرقمي.. استجابة للتوصيات الملكية للتواصل مع المغاربة
في سياق التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم في مجال التكنولوجيا الرقمية، لا يمكن للمؤسسات الرسمية أن تظل بعيدة عن هذا التحول، ومن هنا، بادر البرلمان المغربي ليواكب هذه التغيرات، مستجيبا لتوصيات الملك محمد السادس التي دعت إلى تعزيز التواصل مع المواطنين وتحقيق الشفافية في العمل السياسي.
فبعد أن أصبحت التكنولوجيا جزءا لا يتجزأ من حياة الناس، بات من الضروري أن يعكس البرلمان هذه المتغيرات عبر آليات تفاعلية تسهم في تعزيز الديمقراطية ومشاركة الشعب في صنع القرار.
وفي هذا السياق، أصبح البرلمان الرقمي جزءا أساسيا من مشروع الإصلاحات التي تهدف إلى بناء دولة اجتماعية تعنى بمصالح جميع المواطنين، حيث و عبر المنصات الإلكترونية والتطبيقات الحديثة، أصبح بإمكان المواطن المغربي الآن متابعة الجلسات البرلمانية مباشرة من أي مكان، وتقديم ملاحظاته ومقترحاته بشكل تفاعلي وسريع.
هذا التوجه لا يقتصر فقط على توسيع نطاق المشاركة، بل يهدف أيضا إلى ضمان الشفافية في الإجراءات البرلمانية، حيث يمكن و بنقرة زر الاطلاع على كل ما يتعلق بالحياة البرلمانية في بلادنا من مشاريع و مقترحات قوانين و نصوص مصادق عليها و مراقبة عمل الحكومة و أسئلة شفهية و كتابية و مهام استطلاعية و لجان تقصي الحقائق و مشاهدة الجلسات العلنية و جلساءت المساءلة و مستجدات اللجان البرلمانية و تقديم عرائض و ملتمسات و هلم جرا.
التواصل الرقمي بين البرلمان والمواطنين تجاوز مجرد نقل المعلومات، ليتحول إلى حوار فعلي بين الفئات الاجتماعية والبرلمانيين، فقد جرى تطوير منصات تفاعلية أتاحت للمواطنين طرح أسئلتهم واستفساراتهم حول المشاريع والقوانين المطروحة، في خطوة جادة لتعزيز العلاقة بين المؤسسة التشريعية والمجتمع.
هذه الفضاءات الإلكترونية لم تقتصر على تقديم الأخبار والتحديثات فحسب، بل أصبحت أدوات حية لخلق تفاعل مباشر مع قبة البرلمان، خاصة أنها معتمدة بلغات حية، من بينها الأمازيغية، بل حتى علاقة البرلمان مع نساء و رجال الإعلام شهد طفرة نوعية منذ تطبيق "البرلمان الإلكتروني"، لدرجة بات عمل الصحافي المهتم و المتخصص في المجال السياسي سهلا في إيجاد المعلومة و تحيينها، لدرجة أنه يتلقى بشكل شبه يومي آخر المستجدات عن قبة البرلمان من خلال بريده الإلكتروني بعد إحداث خلية تواصل في غرفتي البرلمان تشتغل كخلية نحل لا تنام و في تواصل دائم و مستمر مع الإعلاميين باعتبارهم صلة وصل بين المؤسسة التشريعية و الشعب.
الدولة الاجتماعية.. البرلمان يضغط على "الكسيراتور"
شهد البرلمان المغربي إقرار العديد من القوانين التي تهدف إلى تعزيز أسس الدولة الاجتماعية، وهو التوجه الذي أطلقه الملك محمد السادس في خطابه التاريخي، والذي ركز على ضرورة تحسين الظروف الاجتماعية للمواطنين وضمان العدالة والمساواة في الوصول إلى الحقوق الأساسية، حيث قدم البرلمان بغرفتيه من خلال هذه القوانين إصلاحات جذرية ساعدت في بناء أسس دولة تحترم كرامة المواطن وتضمن له حقوقه.
هبة بريس تواصلت مع مكونات الأغلبية البرلمانية، و منها الفريق النيابي لحزب التجمع الوطني للأحرار الذي يوجد على رأسه محمد شوكي، بخصوص الإنجازات التشريعية التي ساهم فيها البرلمان و المتعلقة بالدولة الاجتماعية.
و في هذا الصدد، أكد ذات المصدر أن من بين أبرز الإنجازات التشريعية التي ساهم فيها البرلمان هو قانون الإعفاء الضريبي للفئات الاجتماعية الفقيرة والمتوسطة، و الذي يهدف إلى تخفيف العبء المالي على الأسر ذات الدخل المحدود.
هذا الإجراء الذي لعب البرلمان بغرفتيه دورا حاسما في تنزيله في ظرف زمني وجيز كان جزءا من سياسة العدالة الاجتماعية التي سعت إلى تعزيز القدرة الشرائية للمواطنين وتحقيق نوع من التوازن الاقتصادي.
أما قانون التأمين و التغطية الصحية، فقد شكل خطوة هامة في إطار تعزيز العدالة الصحية حسب ذات المصدر، حيث أتاح للمواطنين من جميع الفئات الاجتماعية الحصول على رعاية صحية أساسية دون الحاجة إلى تحمل أعباء مالية كبيرة.
و هذا القانون يضيف مصدرنا كان من بين التشريعات التي همت تحقيق العدالة الصحية في قطاع حساس يؤثر بشكل مباشر على حياة المواطنين.
كما قدم البرلمان إصلاحات قانونية في مجال التعليم، من خلال مصادقته على قوانين تضمن حق الجميع في الحصول على تعليم مجاني وعالي الجودة، بغض النظر عن وضعهم الاجتماعي أو الاقتصادي، ويهدف هذا التشريع إلى تقليص الفجوات بين المناطق الحضرية والريفية، وتحقيق المساواة في فرص التعليم، مما يساهم في تعزيز التنمية البشرية وتكوين جيل قادر على المساهمة في بناء المستقبل.
من جانب آخر، تم التصويت على قوانين العمل التي تضمن حقوق العمال في القطاعين العام والخاص، بما في ذلك تحسين ظروف العمل وزيادة الأجور وتوفير الحماية الاجتماعية للمواطنين العاملين في مختلف المجالات، وهذه القوانين تساعد في تحقيق مبدأ المساواة بين المواطنين وتوفر بيئة عمل تحترم الحقوق الأساسية للأفراد.
وفي إطار الحماية الاجتماعية، صادق البرلمان المغربي على القانون الخاص بالضمان الاجتماعي، الذي يهدف إلى توسيع التغطية الصحية والاجتماعية لتشمل شرائح أوسع من المجتمع المغربي، خصوصا في المناطق النائية والريفية، هذه الخطوة تعكس التزام البرلمان بتوسيع نطاق الحقوق الاجتماعية للمواطنين وضمان العدالة الاجتماعية في مختلف المجالات.
وفي خضم هذه الإصلاحات التشريعية، يبرز حسب ذات المصدر قانون دعم الفئات الهشة كمثال آخر على الجهود التي يبذلها البرلمان من أجل تعزيز التضامن الاجتماعي، حيث يعنى هذا القانون أيضا بمساعدة الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، وتوفير الدعم لهم في مجالات التعليم والعمل والرعاية الصحية.
علاوة على ذلك، أقر البرلمان قوانين حماية المرأة، التي تضمنت تدابير وقائية ضد العنف، ودعمت تمكين المرأة من التمتع بحقوقها الكاملة في المجتمع، هذه القوانين تعكس إيمان البرلمان المغربي بأهمية المساواة بين الجنسين كأحد الأسس الرئيسية لبناء الدولة الاجتماعية.
البرلمان سعى من خلال هذه القوانين إلى تحقيق المساواة الاجتماعية و تنمية مستدامة تحقق العدالة للجميع، وبذلك أصبح البرلمان المغربي جزءا أساسيا من بناء دولة اجتماعية تنبني على ضمان حقوق المواطن وحمايته في جميع المجالات الحيوية.
هذه القوانين لا تمثل فقط تعزيزا للعدالة الاجتماعية، بل هي أيضا تجسيد حقيقي للالتزام الملكي والمجتمعي بتطوير المغرب في مختلف جوانب حياته الاجتماعية، كما أن السرعة التي عالجت فيها غرفتي البرلمان عددا من مقترحات و مشاريع القوانين و صادقت عليها أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن المؤسسة التشريعية جادة في المساهمة الفعالة في تنزيل أسس الدولة الاجتماعية.
الرقابة البرلمانية.. خط الدفاع الأول لضمان تنفيذ السياسات الاجتماعية
في إطار تعزيز الدولة الاجتماعية التي تهدف إلى تحقيق العدالة والمساواة بين جميع المواطنين، يعتبر البرلمان المغربي من أبرز المؤسسات التي تلعب دورا حيويا في مراقبة تنفيذ السياسات الاجتماعية والتأكد من فعاليتها، إذ يشكل البرلمان خط الدفاع الأول لضمان أن الحكومة تلتزم بتعهداتها وتحترم حقوق المواطنين في مختلف المجالات الاجتماعية، سواء على صعيد التعليم أو الصحة أو العدالة الاجتماعية.
و في هذا الصدد، أوضح رشيد فكري الأستاذ الجامعي المتخصص في العلاقات السياسية، أن الرقابة البرلمانية تمتلك العديد من الأدوات والآليات التي تسمح لها بالتحقق من مدى تنفيذ الحكومة لبرامجها الاجتماعية.
و أضاف ذات المتحدث بأن أول هذه الأدوات هو الأسئلة البرلمانية التي تتيح للنواب محاسبة الوزراء والمسؤولين الحكوميين على الأداء الفعلي للبرامج الاجتماعية التي تم الإعلان عنها، و من خلال هذه الأسئلة، يمكن للبرلمان توجيه استفسارات دقيقة حول كيفية تنفيذ المشاريع الاجتماعية، ومدى استفادة الفئات المستهدفة من هذه السياسات.
إضافة إلى ذلك، يواصل ذات المصدر، تمثل اللجان البرلمانية آلية أساسية لضمان متابعة تنفيذ السياسات الاجتماعية، ففي كل مرة تقر الحكومة استراتيجية اجتماعية جديدة، تكلف اللجنة البرلمانية المعنية بمتابعة تطورات تنفيذ هذه السياسة على أرض الواقع، و تشمل هذه المتابعة زيارة ميدانية للمشاريع التي تم تمويلها، والاستماع لشهادات المواطنين الذين استفادوا أو لم يستفيدوا من هذه المبادرات، وتحليل بيانات مؤشرات الأداء الحكومية.
الخبير السياسي السالف الذكر أضاف بأن البرلمان المغربي لا يتوانى في استخدام آلية الاستجواب لمحاسبة الوزراء حول التحديات والصعوبات التي قد تواجه تنفيذ السياسات الاجتماعية، و في حال كانت هناك مخالفات أو إخفاقات في تنفيذ البرامج الاجتماعية، يمكن للبرلمان تقديم تقارير رسمية تلزم الحكومة بإصلاح المسار وتقديم حلول مناسبة للمشاكل القائمة.
بدوره، أوضح كمال السملالي الخبير في الشؤون السياسية و الاستراتيجية أنه وفي إطار تعزيز الشفافية و المسؤولية، أصبح البرلمان يستخدم أيضا التكنولوجيا الرقمية كأداة للرقابة، حيث و من خلال المنصات الإلكترونية، يمكن للمواطنين متابعة الجلسات البرلمانية و تقديم الشكاوى، وحتى المشاركة في النقاشات المتعلقة بالقوانين الاجتماعية المقترحة، و هذا الأمر يعزز العلاقة بين البرلمان والمواطنين، ويجعل من الرقابة البرلمانية عملية أكثر ديمقراطية و تفاعلية.
كما تلعب المصادقة البرلمانية على الميزانية، وفق الخبير السملالي، دورا أساسيا في ضمان تخصيص و توجيه الاعتمادات بشكل صحيح للمشاريع الاجتماعية، حيث يضمن البرلمان أن الموارد المالية التي تخصصها الحكومة للقطاع الاجتماعي يتم استخدامها بكفاءة، دون إهدار أو سوء استغلال، و تعد هذه العملية جزءا لا يتجزأ من رقابة البرلمان لضمان التزام الحكومة بتحقيق أهداف السياسات الاجتماعية.
و شدد المتحدث عينه على أنه و مع زيادة التركيز على العدالة الاجتماعية و تحقيق المساواة في مختلف القطاعات، أصبح البرلمان المغربي اليوم أكثر من أي وقت مضى قادرا على التأثير المباشر في تنفيذ السياسات الاجتماعية، فهو لا يقتصر على مراقبة الأنشطة الحكومية فقط، بل يساهم في تطوير هذه السياسات عبر التشريعات و الاقتراحات التي تسهم في تحسين الظروف الاجتماعية للمواطنين.
في هذا السياق، يختم الخبير المحاضر في الشؤون السياسية و الاستراتيجية أن الرقابة البرلمانية تعد الأساس الذي يعزز من الشفافية في تنفيذ السياسات الاجتماعية، ويضمن أن حقوق المواطنين تبقى محمية ومصانة، و مع استمرار البرلمان في لعب دوره الرقابي، يبقى التساؤل الأبرز كيف يمكن لهذا الدور أن يتطور ليصبح أكثر فاعلية في التصدي للتحديات المستقبلية التي قد تواجه الدولة الاجتماعية في المغرب؟
الديبلوماسية البرلمانية.. صدى الدولة الاجتماعية تجاوز حدود الوطن
في ظل التحولات الكبرى التي يشهدها العالم على الصعيدين السياسي والاجتماعي، يظل البرلمان المغربي أحد الأركان الأساسية التي تساهم في تعزيز الدولة الاجتماعية التي أرسى الملك محمد السادس دعائمها، هذا الدور لا يقتصر فقط على مراقبة السياسات الداخلية وصياغة التشريعات، بل يتعداه إلى الدبلوماسية الموازية، التي تتيح للمغرب تعزيز العدالة الاجتماعية على الصعيدين الإقليمي والدولي.
رشيد الطالبي العلمي، رئيس الغرفة الأولى و في تصريح سابق له، أكد بأن البرلمان المغربي لا يقتصر دوره على الشأن المحلي فقط، بل يلعب دورا فعالا أيضا في الساحة الدولية من خلال علاقاته مع البرلمانات الأخرى والمشاركة في المنتديات الدولية بهدف نقل تجاربه في مجالات التنمية الاجتماعية و المساواة.
و أوضح الطالبي العلمي بأن الدبلوماسية الموازية لا تقتصر على القنوات الدبلوماسية الحكومية فقط، بل تشمل البرلمانيين كفاعلين رئيسيين في تعزيز الحقوق الاجتماعية على الساحة العالمية، وقد سعى البرلمان المغربي إلى إرساء هذه الدبلوماسية الموازية من خلال التفاعل المستمر مع البرلمانات الأجنبية والمشاركة الفعالة في المنتديات الدولية المخصصة لقضايا التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية.
و من بين أبرز الأمثلة على ذلك، نجد الدور البارز للبرلمان المغربي في الاتحاد البرلماني الإفريقي، حيث ساهم في تطوير السياسات الاجتماعية في قارة إفريقيا، وكان له دور محوري في دعم التعليم و الرعاية الصحية في البلدان الإفريقية، كما عمل البرلمان المغربي على تعزيز العلاقات البرلمانية مع الدول الأوروبية، حيث تم الاتفاق على برامج مشتركة لدعم المساواة و العدالة الاجتماعية و توقيع عدد من الاتفاقيات و الشراكات فضلا على تبادل الزيارات و الخبرات بين كافة الأطراف المعنية.
محمد ولد الرشيد، رئيس مجلس المستشارين، في أكثر من مناسبة شدد على أهمية الدبلوماسية البرلمانية في تعزيز مكانة المغرب الدولية، في عديد المجالات بما فيها الشق الاجتماعي، حيث أصبح المغرب اليوم فاعلا أساسيا في تعزيز السياسات الاجتماعية على مستوى إفريقيا والعالم.
و صرح ولد الرشيد: "إن البرلمان المغربي يتبنى سياسة دبلوماسية تساهم في نشر قيم العدالة الاجتماعية، ويعمل على تعميق التعاون مع الدول الإفريقية والدولية في عدة مجالات منها التنمية المستدامة و مكافحة الفقر، وهو ما ينسجم تماما مع أهداف الدولة الاجتماعية".
كما أكد رئيس الغرفة الثانية على دور الدبلوماسية الموازية في تعزيز مبادئ العدالة الاجتماعية التي يسعى البرلمان المغربي إلى نشرها، مضيفا بأن البرلمان المغربي قام بجهود كبيرة في تعزيز العلاقات مع برلمانات العديد من الدول بما فيها الإفريقية و خاصة في إطار مؤتمر الاتحاد البرلماني الإفريقي، مؤكدا أن البرلمان المغربي يسعى إلى أن يكون صوتا للمجتمعات الهشة في إفريقيا وداعما لتطوير السياسات الاجتماعية في القارة، مستندا في ذلك إلى تجاربه الداخلية في تعزيز الحقوق الاجتماعية للمواطنين.
و تظل الدبلوماسية البرلمانية إحدى الأدوات الأساسية التي يواصل البرلمان المغربي من خلالها تعزيز أسس الدولة الاجتماعية داخليا وخارجيا، كما أن تصريحات المسؤولين البرلمانيين تؤكد على أن البرلمان ليس مجرد مؤسسة تشريعية، بل هو أيضا داعم و محفز لتوسيع حدود العدالة الاجتماعية في مختلف أنحاء العالم.
قبل الختم.. أرقام لا بد منها
قد يعتقد البعض أن الحكومة لوحدها من تلعب دورا مهما و أساسيا في تنزيل أسس الدولة الاجتماعية، لكن لا يمكن البتة تبخيس عمل المؤسسة التشريعية، أغلبية و معارضة، و دورها الكبير و الفعال في تعزيز العدالة الاجتماعية.
و كمثال عن ذلك، مصادقة البرلمان على قانون التأمين الصحي الذي تم توسيعه ليشمل أكثر من 22 مليون مواطن (بحسب إحصائيات سابقة لوزارة الصحة)، ليصبح هذا القانون حجر الزاوية في إصلاح نظام الرعاية الصحية في المغرب.
أيضا قانون التعويضات العائلية الذي تستفيد منه أكثر من 4 ملايين أسرة مغربية، ما أسهم بشكل مباشر في تحسين القدرة الشرائية للعديد من الأسر، فضلا على موافقة البرلمان على ميزانية الدولة الاجتماعية، حيث و من خلال المصادقة على ميزانية الدولة، يلعب البرلمان دورا محوريا في تخصيص الموارد لقطاعات التعليم و الصحة و الإسكان.
ففي السنة المالية الماضية، صادق البرلمان على تخصيص حوالي 30 في المئة من الميزانية العامة لقطاع التعليم، و 15 في المئة لقطاع الصحة، وهو ما يعكس الالتزام بتعزيز الخدمات الصحية الأساسية، و 5 في المئة من ذات الميزانية العامة لبرامج السكن الاجتماعي، مما ساهم في تأمين سكن لائق لآلاف الأسر.
و تمكن البرلمان المغربي، من خلال تشريعاته، من تحفيز الشمول المالي، حيث ساهم في زيادة التغطية التأمينية لتشمل أكثر من 15 مليون شخص في إطار مشروع التغطية الصحية، بما يعكس التأثير المباشر للبرلمان على العدالة الاجتماعية.
و في إطار الدبلوماسية البرلمانية، شارك البرلمان المغربي في أكثر من 30 منتدى برلماني دولي، وكان له دور بارز في وضع أجندة العمل الاجتماعي في العديد من المنتديات البرلمانية العالمية، و من خلال هذا التعاون، تم تعزيز تبادل الخبرات البرلمانية بين المغرب ودول إفريقيا و الشرق الأوسط و دول أمريكا اللاتينية في مجالات الصحة، التعليم، و التنمية الاجتماعية.
و من خلال اللجان البرلمانية المعنية، قام البرلمان المغربي خلال السنوات الماضية بمراقبة تنفيذ عدة برامج اجتماعية، على رأسها برنامج الدعم المباشر للفئات الاجتماعية الهشة، وقد تمت مراقبة توزيع المساعدات في إطار هذا البرنامج على نحو 3 مليون مواطن في المناطق النائية والريفية.
فضلا عن ذلك، دعم البرلمان برنامج تعزيز حقوق المرأة، حيث ساهم في تعزيز حقوق النساء من خلال مصادقته على قوانين لمكافحة العنف ضد النساء، استفادت منها أكثر من مليون امرأة في المغرب.
و فيما يتعلق بالقضايا البيئية والاجتماعية، لعب البرلمان المغربي دورا محوريا في التصويت على قوانين تتعلق بالمناخ، الذي يهدف إلى تعزيز التنمية المستدامة، وتم تحديد هدف خفض انبعاثات الكربون بنسبة 42% بحلول 2030، كما تم تخصيص جزء كبير من الميزانية الوطنية لتمويل مشاريع بيئية تهدف إلى حماية الفئات الاجتماعية الضعيفة من آثار التغيرات المناخية.
كما أقر البرلمان المغربي قانون حماية الأطفال الذي يهدف إلى تحسين حقوق الطفل في المغرب، و هذا القانون يعكس التزام الدولة المغربية بالاتفاقيات الدولية، إذ يضمن حق الأطفال في التعليم و الرعاية الصحية، وقد استفاد من هذه التشريعات نحو 7 مليون طفل مغربي.
و من خلال مصادقته على قانون الإدماج الاجتماعي، ساهم البرلمان بشكل غير مباشر في توفير فرص عمل لآلاف المواطنين من خلال برامج التشغيل الذاتي و التدريب المهني، وقد بلغت نسبة العمالة الجديدة في السنة الماضية نحو 600 ألف شخص.
هذه الأرقام والمعطيات تظهر أن البرلمان المغربي لم يقتصر دوره على المصادقة على القوانين فحسب، بل أصبح فاعلا رئيسيا في تنفيذ السياسات الاجتماعية التي تهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية وتعزيز مفهوم الدولة الاجتماعية، وبالنظر إلى هذه الأرقام، يمكن القول إن البرلمان أصبح أحد أعمدة التنمية الاجتماعية في المغرب، على أمل أن تسايره باقي المؤسسات بنفس النهج و السرعة لتحقيق الهدف المنشود و خارطة الطريق التي وضع الملك محمد السادس تصوراتها و دعائمها.