الوسيط المفرغ: حين يصير التنظيم قشرة بلا مضمون
بقلم : حسام بوزكارن
هل تعيش الأحزاب المغربية أزمة تصور للوظيفة الحزبية أم أزمة وجود داخل الحقل الاجتماعي؟
منذ مطلع القرن الحادي والعشرين، والأحزاب المغربية تسير على خيط رفيع بين الاستمرار الشكلي والانقراض الفعلي. لم تعد إشكاليتها تقتصر على ضعف في الأداء أو تراجع في الشعبية، بل باتت أزمة الأحزاب المغربية أزمة تعريف وجودي: ما وظيفتها؟ ما طبيعة حضورها في المجتمع؟ ولماذا فقدت القدرة على التموقع داخل ديناميات التحول الاجتماعي؟
أغلب التنظيمات الحزبية المعاصرة تعاملت مع مفهوم "التمثيلية" كما لو كان وضعا إداريا أكثر من كونه علاقة عضوية، حية ومتفاعلة، مع نسق اجتماعي متحرك. فقدت الأحزاب البوصلة حين توقفت عن تخيل ذاتها كأداة لخلق الممكن السياسي، وانحصرت في تدبير الواقع كما هو، لا في مساءلته أو تغييره.
إلى أي مدى تحولت البنية التنظيمية الحزبية إلى شكل مؤسساتي معطل عن إنتاج الفعل السياسي؟
الخلل هنا ليس في النوايا، بل في البنية. لقد ورثت الأحزاب المغربية، منذ الاستقلال، تنظيمات عمودية، مشحونة بهرمية صارمة، تقوم على الولاء قبل الكفاءة، وعلى الانضباط قبل الخيال السياسي. مع مرور الوقت، ت
hibapress.com
بقلم : حسام بوزكارن
هل تعيش الأحزاب المغربية أزمة تصور للوظيفة الحزبية أم أزمة وجود داخل الحقل الاجتماعي؟
منذ مطلع القرن الحادي والعشرين، والأحزاب المغربية تسير على خيط رفيع بين الاستمرار الشكلي والانقراض الفعلي. لم تعد إشكاليتها تقتصر على ضعف في الأداء أو تراجع في الشعبية، بل باتت أزمة الأحزاب المغربية أزمة تعريف وجودي: ما وظيفتها؟ ما طبيعة حضورها في المجتمع؟ ولماذا فقدت القدرة على التموقع داخل ديناميات التحول الاجتماعي؟
أغلب التنظيمات الحزبية المعاصرة تعاملت مع مفهوم "التمثيلية" كما لو كان وضعا إداريا أكثر من كونه علاقة عضوية، حية ومتفاعلة، مع نسق اجتماعي متحرك. فقدت الأحزاب البوصلة حين توقفت عن تخيل ذاتها كأداة لخلق الممكن السياسي، وانحصرت في تدبير الواقع كما هو، لا في مساءلته أو تغييره.
إلى أي مدى تحولت البنية التنظيمية الحزبية إلى شكل مؤسساتي معطل عن إنتاج الفعل السياسي؟
الخلل هنا ليس في النوايا، بل في البنية. لقد ورثت الأحزاب المغربية، منذ الاستقلال، تنظيمات عمودية، مشحونة بهرمية صارمة، تقوم على الولاء قبل الكفاءة، وعلى الانضباط قبل الخيال السياسي. مع مرور الوقت، تحولت هذه البنى إلى إدارات حزبية مغلقة، لا تختلف في أسلوبها عن البيروقراطية التي تدعي محاربتها.
الأسوأ أن هذه التنظيمات باتت مؤسسات بلا طاقة توليدية، قادرة على إعادة إنتاج نفسها، ولكن غير قادرة على إنتاج أثر سياسي أو فكري جديد. أصبحت الأحزاب كالأجهزة القديمة : تعمل، لكن خارج الزمن، وخارج الحاجة.
هذا الانحباس التنظيمي أفرز ما يمكن تسميته بالسياسة الصامتة، حيث تبدو الأحزاب حاضرة في المشهد شكليا، لكن غائبة عن الوعي الجمعي، وغير قادرة على التفاعل مع تحولات الواقع.
كيف ساهمت آليات إعادة إنتاج النخب داخل الأحزاب في ترسيخ العجز البنيوي عن التجديد؟
كل تنظيم لا يستطيع تغيير نخبه، لا يستطيع تغيير خطابه. الأحزاب المغربية، في أغلبها، أصبحت رهينة لنخب مستهلكة، تعيش على رصيد رمزي قديم أو طموح شخصي ضيق. النخبة داخل الحزب لم تعد تؤمن بالسياسة كمشروع جماعي، بل أصبحت تتعامل معها كأفق فردي للصعود الاجتماعي.
الأخطر أن آليات "الترقية السياسية" أصبحت مغلقة : لا صوت للشباب، لا اعتبار للثقافة، ولا حظ للرؤية النقدية. كل صوت جديد يطلب منه أن "يتأقلم" مع لغة قديمة، وأن يتحدث بمنطق "الحزب لا يخطئ"، فيصبح جزءا من الصمت لا من التحول.
بذلك، تحولت الأحزاب إلى أوعية خانقة للأفكار، لا منصات لتفجير الطاقات. لم تعد النخبة داخلها تنتج خطابا، بل تدير الصمت الجماعي بمهارة مميتة.
هل فقدت الأحزاب شرعيتها الرمزية بسبب انفصالها عن ديناميات الواقع المجتمعي؟
الشرعية في السياق السياسي ليست فقط قانونية أو انتخابية، بل هي أولا شرعية رمزية: هل يراك الناس فاعلا حقيقيا في حياتهم؟ هل يرون فيك معنى؟
ما حدث هو أن الأحزاب فقدت هذا المعنى.
عندما يتحول التنظيم السياسي إلى قشرة خالية من الفكرة، والشخصية الحزبية إلى واجهة بلا مشروع، يفقد المجتمع القدرة على تصديق أن هذه الكيانات تمثله أو تعبر عنه. وهنا بالضبط يبدأ الفراغ السياسي : ذلك الفراغ الذي لا يملؤه الشارع بالضرورة، بل تملؤه اللاسياسة، العبث، العدمية.
في هذا السياق، لم يعد الشارع هو المنافس الأول للأحزاب، بل فقدان الأمل في السياسة ذاتها.
الأحزاب المغربية، في لحظتها الراهنة، لم تفشل فقط في تأدية أدوارها التقليدية، بل فشلت في ابتكار أدوار جديدة تتماشى مع التحولات الزلزالية في المجتمع المغربي : تحولات في القيم، في أنماط الوعي، في وسائل التعبير.
المطلوب اليوم ليس فقط إعادة تأهيل الأحزاب، بل إعادة طرح السؤال الجوهري: لماذا نحتاج الأحزاب أصلا؟
إن لم تكن منصات للفكر، مساحات للتمثيل الحقيقي، وجسورا بين الأمل والواقع، فوجودها لم يعد ضروريا... بل بات جزءا من المشكل، لا من الحل.