قال محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، في افتتاح الجامعة السنوية للحزب حول موضوع: السياسة أولاً.. لإنجاح المشروع الديموقراطي التنموي”، اليوم السبت 09 نونبر الجاري، إن هناك مشكل حقيقي في منسوب الثقة والمصداقية، في مدى قدرة الفضاء السياسي على خلق التعبئة الاجتماعية، وفي طبيعة علاقة المواطن بالسياسة. وذهب إلى أنه يجب الإقرار بأننا، فعلاً، أمام “أزمةٍ للعمل السياسي”، موردا بأن ذلك ينطلق من كون الأمر فعلاً يثير القلق والتخوف.
بالنسبة للأمين العام لحزب “الكتاب”، فمنذ نهايات العقد الأول من هذه الألفية، وعوض الاستمرار في ذلك المنحى الإصلاحي، بدأت تظهرُ ملامحُ تَوَجُّهٍ يَدفعُ في اتجاه “التحرر” من ذاك التعاقُد السياسي المثمر؛ بمبرِّر أنَّ القوى الوطنية الديموقراطية ليست مؤهلَةً ولا قادرةً على مواجهة مدِّ الإسلام السياسي، ولا على دعمِ العُمق التحديثي والإصلاحي.
لكن، في مفارقةٍ عجيبة، ظهرت وتصاعدت انحرافاتٌ في الحقل السياسي، تتنافى تماماً مع المبررات التي استند إليها هذا الخطابُ الجديد آنذاك.
وما يَسَّرَ الأمرَ أمام تلك الانحرافات، يشرح نبيل بنعبد الله، هو أن القوى الوطنية الديموقراطية (الكتلة أساساً) كان ردُّ فِعلِها، عموماً، خافتاً وباهتاً، وكان موقفُها غيرَ موحَّدٍ ولا حازم.
ثم حلَّ حراكُ 2011، السياسي والاجتماعي، ليضطر ذاكَ التوجُّهُ النُّــــــكُــــوصي إلى التَّواري مؤقتاً، ليُفسَحَ المجالُ واسعاً أمام دستورٍ متقدمٍ جداًّ، شكَّلَ قفزةً دستورية، ومؤسساتية وديموقراطية وحقوقية، قوية وفارِقَة في مسارنا الوطني، على الأقل على مستوى النص. وانبثقت بعدها تجربةٌ حكومية اندرجت في هذا السياق.
وتحدث بنعبد الله على أنه ما لبثَتْ أنْ عادَتِ التوجُّهاتُ السلبيةُ بأشكالَ مختلفةٍ، مُـــــلْــــحِــــقَـــةً أضراراً بالِغة بمكانة السياسة، وبأدوار الفاعل الحزبي، وبمصداقية المؤسسات السياسية.
وقال إن حزب التقدم والاشتراكية ظل، طوال هذه الفترات ثابتاً على تَوجُّهٍ سياسي مستقيم وواضح، خيطُهُ الناظم المناداة بالتعاقد السياسي الجديد؛ وبجيلٍ جديد من الإصلاحات، ثم بالنفَس الديموقراطيِّ الجديد.
وفي السياق ذاته، اعتبر أنَّ انكماشَ السياسة وأزمة الديموقراطية التمثيلية ظاهرةٌ عالمية، وربما بدرجاتٍ أخطر. وهو ما يفسِّرُ صُـــــعُــــودَ الحركات اليمينية المتطرفة والشعبوية، بما في ذلك في بلدان عُظمى. وهو طبعاً مسارٌ لا نتصورُهُ ممكناً لبلادِنا التي نطمحُ إلى أن تكون ريادية على كافة المستويات.
ومن تداعيات هذا الوضع، التراجع غير المسبوق لمنسوب ثقة المواطنين عموماً، والشباب خصوصاً، في الفضاء السياسي، وفي الفاعل الحزبي، وفي الجدوى من العملية السياسية والانتخابية، بما يُمْكِنُ أن نُسمِّـــيَــهُ، اليوم، “مخاصمة حقيقية بين معظم المغاربة وبين الشأن العام”، اللهُّمَّ تلك الاستثناءاتُ التي تؤكِّدُ القاعدة.
وتطرق أيضا إلى أن المؤسسات السياسية، عموماً، المنتخبة وغير المنتخبة، لم تعد تضطلع بأدوارها كما يجب وكما ينص على ذلك الدستور، وهي اليوم ليست معزَّزة كما ينبغي بأفضل وأكفأ وأنزه ما يُوجَدُ في المجتمع من طاقات، مع استثناءاتٍ طبعاً.
وقال إن المشهد يعاني فراغٍ سياسي خطير، لا يمكن أن تملأهُ سوى تعبيراتٌ عفوية، أو متطرفة، أو غير مؤطَّرة، رافضة تقريباً لكل شيء، منتقدا ما أسماه بالتدخل في شؤون الأحزاب، وانتشار ظاهرة استعمال المال في الفضاء السياسي والانتخابي، بشكلٍ لم يسبق له مثيل، وهو ما أدى إلى ولوجٍ واسعٍ للفساد والمفسدين إلى المؤسسات المنتخبة وإلى الأحزاب السياسية نفسها.
واعتبر بأنه من المستعجل والمُلِحّ وضع أهداف مشتركة من أجل بعثِ الروح في قيمة ومكانة السياسة، وفي نُبْلِ أدوارها، وفي قدرتها على أن تُشَكِّلَ المدخلَ المؤثِّر والعِمادَ الأساس لأيِّ مشروعٍ إصلاحي.