هبة بريس: عبد السلام بلغربي، محمد زريوح
تشهد جزر الكناري جدلاً سياسياً حاداً حول مسألة إعادة القاصرين المغاربة غير المصحوبين المتواجدين في إسبانيا إلى بلدانهم الأصلية، وعلى رأسها المغرب والسنغال. هذا الموضوع أثار موجة من النقاشات بين الأحزاب السياسية والحكومة المحلية لجزر الكناري، خاصة بعد أن طرح فيرناندو كلافيخو، رئيس حكومة جزر الكناري، مقترحاً يتعلق بترحيل هؤلاء الأطفال بشكل منظم، بهدف إعادة إدماجهم في أوطانهم.
فيرناندو كلافيخو يسعى جاهداً لإقناع جميع الأطراف، بما في ذلك الأحزاب السياسية والمنظمات المجتمعية، بأهمية هذا المقترح. وفقاً لتقارير إعلامية إسبانية، أوضح كلافيخو أن ترحيل القاصرين إلى بلدانهم الأصلية سيتم وفقاً لخطة منظمة ومدروسة تضمن لهم مستقبلاً أفضل، وتعيد جمعهم بأسرهم. كما أضاف أن هذه العملية لن تكون عشوائية أو غير منظمة، بل ستخضع لإجراءات دقيقة، تضمن أن تتم عودة هؤلاء الأطفال إلى بيئات آمنة ومستقرة في بلدانهم الأصلية، بعيداً عن المخاطر التي قد تهددهم.
وأشار كلافيخو إلى أن تواجد القاصرين غير المصحوبين في جزر الكناري يشكل تحدياً اجتماعياً واقتصادياً للحكومة المحلية، خاصة مع تزايد أعدادهم بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة. ووفقاً للحكومة، فإن إعادة هؤلاء القاصرين إلى بلدانهم الأصلية، إذا تمت بشكل منظم وتحت إشراف مؤسسات حماية الطفولة، ستكون خطوة إيجابية تسهم في تخفيف العبء على البنية التحتية الاجتماعية في الجزر، وفي نفس الوقت تقدم لهؤلاء الأطفال فرصة لحياة أفضل في أوطانهم.
ورغم التطمينات التي قدمها رئيس حكومة جزر الكناري، إلا أن المقترح قوبل بمعارضة شديدة من قبل العديد من الأحزاب السياسية والمنظمات الحقوقية. حزب "بوديموس" اليساري كان من بين أبرز المعارضين، حيث وصف المقترح بأنه غير إنساني وينتهك حقوق الأطفال. الحزب اعتبر أن إعادة هؤلاء القاصرين إلى بلدانهم الأصلية قد تعرضهم لمخاطر عدة، خاصة إذا كانوا قد فروا من ظروف صعبة كالفقر أو العنف أو الصراعات. وبدلاً من الترحيل، يرى الحزب أن الحل الأفضل هو إدماج هؤلاء الأطفال في المجتمع الإسباني وتقديم الدعم اللازم لهم لتأمين مستقبلهم.
إلى جانب "بوديموس"، أعربت العديد من المنظمات الحقوقية عن قلقها من هذا المقترح، محذرة من أن ترحيل القاصرين قد يؤدي إلى انتهاكات لحقوقهم الأساسية. وطالبت هذه المنظمات الحكومة الإسبانية والحكومات المحلية بتطبيق المعايير الدولية التي تحمي حقوق الأطفال، والعمل على ضمان أن تكون أي عملية ترحيل طوعية وتتم تحت إشراف ورقابة صارمة.
الصحافة الإسبانية تناولت هذا الموضوع بشكل واسع، حيث سلطت الضوء على التداعيات الاجتماعية والإنسانية لهذا المقترح. وأشارت بعض التقارير إلى أن العديد من هؤلاء القاصرين غادروا بلدانهم الأصلية هرباً من ظروف معيشية صعبة، مثل الفقر المدقع أو الصراعات المسلحة. وبالتالي، فإن إعادتهم إلى تلك الظروف قد تكون خطيرة وتعرض حياتهم ومستقبلهم للخطر. كما أكدت الصحافة على أهمية ضمان أن تكون عمليات الترحيل منظمة وقائمة على أسس إنسانية تحترم حقوق الأطفال وتراعي احتياجاتهم الخاصة.
من جهة أخرى، ترى بعض الأصوات في الحكومة المحلية لجزر الكناري أن التعاون مع الحكومات المعنية في المغرب والسنغال سيكون ضرورياً لضمان أن تتم عمليات الترحيل بشكل آمن، وأن تترافق مع توفير الرعاية والدعم اللازمين لهؤلاء الأطفال بعد عودتهم. وفي هذا السياق، دعا كلافيخو إلى ضرورة عقد اتفاقيات ثنائية مع الدول المصدرة للهجرة لضمان أن تكون عملية إعادة القاصرين منظمة وتراعي حقوقهم.
ومع استمرار الجدل حول هذا الموضوع، تتزايد الدعوات إلى إيجاد حلول وسط توازن بين حماية حقوق الأطفال وتحقيق مصالح المجتمع. هناك إجماع متزايد بين العديد من الأطراف على أن القضية تتطلب تعاملاً دقيقاً وحساساً يراعي جميع الجوانب الإنسانية والقانونية. وفي ظل تصاعد الضغوط على الحكومات الأوروبية بشأن قضايا الهجرة واللاجئين، قد تكون قضية القاصرين غير المصحوبين اختباراً حقيقياً لمدى التزام الدول الأوروبية بمعايير حقوق الإنسان.
في النهاية، يبقى السؤال قائماً حول كيفية إيجاد حلول دائمة ومستدامة لهذه القضية الشائكة. هل سيكون الحل في ترحيل القاصرين إلى بلدانهم الأصلية بطريقة تضمن لهم مستقبلاً أفضل؟ أم أن الحل يكمن في توفير الدعم اللازم لهم داخل إسبانيا ودمجهم في المجتمع؟ تبقى هذه التساؤلات مطروحة على طاولة النقاشات، مع ضرورة تدخل المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية لضمان أن يتم التعامل مع هذه القضية بحساسية ووفقاً لأعلى المعايير الإنسانية.