هبة بريس: عبد السلام بلغربي، محمد زريوح
أثار تعيين شكيب بنموسى، عضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار الذي يرأسه رئيس الحكومة، على رأس المندوبية السامية للتخطيط، العديد من التساؤلات والانتقادات حول مدى استقلالية هذه المؤسسة الحساسة في ظل الظروف السياسية الراهنة.
المندوبية السامية للتخطيط هي مؤسسة استراتيجية، تعتمد عليها الدولة في إعداد المسوح الإحصائية، وتقديم التقارير التي تساعد في رسم السياسات العمومية وتحديد معالم التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد. لهذا السبب، فإن استقلاليتها عن أي تأثير سياسي أو حزبي يعد أمرًا بالغ الأهمية لضمان نزاهتها وموضوعيتها.
يُعتبر بنموسى شخصية بارزة داخل حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي يتولى قيادة الحكومة الحالية. هذا التعيين أثار مخاوف متزايدة حول إمكانية تأثير هذا الانتماء الحزبي على طبيعة عمل المندوبية، وخاصة في ما يتعلق بقدرتها على تقييم السياسات الحكومية وكشف النقائص المحتملة في تنفيذها. فالأسئلة المطروحة اليوم تتركز حول مدى قدرة المندوبية، تحت قيادة عضو في الحزب الحاكم، على تقديم تقارير موضوعية وشفافة، والقيام بدورها الرقابي دون أي انحياز أو تأثير.
الوظائف الرئيسية للمندوبية السامية للتخطيط تشمل إعداد الإحصاءات الوطنية، وتقديم جرد دقيق للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد. وتعد هذه التقارير ضرورية لتقييم الأداء الحكومي، وضمان أن السياسات العامة تتماشى مع الأهداف التنموية. إذا كانت المؤسسة غير مستقلة، فقد تتعرض هذه التقارير لخطر التحيز، مما قد يؤثر سلباً على جودة التخطيط وصنع القرار.
المخاوف التي أثيرت حول تعيين بنموسى ترتبط بفكرة أن مؤسسة مثل المندوبية السامية للتخطيط تحتاج إلى أن تكون بعيدة عن أي تأثير سياسي أو حزبي لضمان أنها تقوم بعملها بحرية وشفافية. فكيف يمكن لمؤسسة ترتبط بشكل مباشر بالسياسات الحكومية أن تقدم نقداً موضوعياً لتلك السياسات أو أن تكشف عن الاختلالات الموجودة فيها؟ استقلالية المندوبية تظل عنصراً جوهرياً لضمان أن تكون مخرجاتها محايدة ومبنية على معطيات دقيقة، وليس على انتماءات أو توجيهات حزبية.
المنتقدون يرون في هذا التعيين عائقاً أمام تحقيق الهدف الأساسي للمندوبية، وهو تقديم صورة حقيقية وموضوعية عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في المغرب. فهم يتساءلون: كيف يمكن للمندوبية أن تكشف عن الاختلالات أو الاعوجاجات في السياسات العامة إذا كانت تحت قيادة شخص ينتمي إلى الحزب الحاكم؟ هذا الوضع يثير شكوكاً حول قدرة المندوبية على أداء دورها التقليدي كمؤسسة محايدة ومستقلة.
إن التحدي الأكبر الذي تواجهه المندوبية اليوم هو كيفية الحفاظ على مصداقيتها وحياديتها في ظل هذا التعيين. إذ إن أي مساس باستقلاليتها قد يؤدي إلى تآكل الثقة في تقاريرها ونتائج دراساتها، وهو ما قد يكون له تأثير كبير على صنع السياسات في المغرب. إذا كانت المندوبية غير قادرة على تقديم تقييمات نزيهة للوضع الاقتصادي والاجتماعي، فإن صناع القرار قد يعتمدون على معلومات غير دقيقة، مما قد يؤثر سلباً على توجيه السياسات المستقبلية.
في خضم هذا الجدل، يبقى الحل الأمثل هو مراجعة التعيينات داخل المؤسسات الحساسة مثل المندوبية السامية للتخطيط، لضمان أن تكون تلك المؤسسات قادرة على أداء مهامها بشكل مستقل ومحايد، بعيداً عن أي تأثير سياسي. يجب أن تكون الأولوية هي ضمان أن تبقى المندوبية مؤسسة عمومية تعكس واقع البلاد بناءً على معطيات دقيقة ونزيهة، دون أن تتأثر بالتوجهات الحزبية أو الضغوط السياسية.
في انتظار أي تعديل سياسي أو قرار قد يغير هذا الوضع، يستمر النقاش حول كيفية الحفاظ على استقلالية المندوبية السامية للتخطيط، وضمان أن تبقى مؤسسة قوية تساهم في تعزيز الشفافية والمحاسبة على المستوى الوطني. تظل هذه القضية محوراً مهماً في نقاشات الإصلاحات المؤسسية بالمغرب، حيث يشدد العديد من الخبراء والمراقبين على أهمية فصل المؤسسات الوطنية الحساسة عن أي انتماء سياسي لضمان استمرارية دورها الرقابي والإرشادي في صنع القرار.