عندما يُؤوَّل كلام عزيز أخنوش خارج سياقه… الواقع بين التفسير والتأويل

بقلم سعيد الوردي أثار تصريح رئيس الحكومة عزيز أخنوش، داخل قبة البرلمان، جدلاً واسعاً بعدما قال: "أنا كنعرف ثلثين ديال رجال الأعمال، وإذا بغيت مانتعاملش معاهم، راه ما غايخدم حتى واحد". البعض قرأ هذه العبارة على أنها تهديد مبطّن واعتراف بالتحكم في دواليب الاقتصاد الوطني، بينما الحقيقة أن الكلام، حين يُقرأ بسياقه الكامل وبنية عقلانية، يُفهم على نحو مختلف تماماً. ما قصده رئيس الحكومة، في تقديري، ليس تهديداً ولا تبجحاً، بل توصيفاً لواقع اقتصادي مركّب. المغرب لا يتوفر على قاعدة واسعة من رجال الأعمال الكبار، ومن الطبيعي أن تربط رئيس الحكومة علاقات مهنية أو معرفة شخصية بنسبة كبيرة منهم، بحكم سنوات اشتغاله في القطاع الخاص. وبالتالي، فإن الدعوة لقطع أي علاقة سابقة مع كل من يعرفهم بدعوى الحياد المطلق، هي دعوة غير واقعية، بل قد تؤدي إلى شلل اقتصادي، لأنه ببساطة لن يجد مع من يشتغل أو من يستثمر. المعرفة الشخصية لا تعني بالضرورة وجود تضارب في المصالح. ما يهم هو احترام الشفافية وتكافؤ الفرص، وضمان أن تظل قواعد المنافسة مفتوحة أمام الجميع. أما تحويل كل علاقة سابقة إلى شبهة، فهو تبسيط م

عندما يُؤوَّل كلام عزيز أخنوش خارج سياقه… الواقع بين التفسير والتأويل
   hibapress.com
بقلم سعيد الوردي أثار تصريح رئيس الحكومة عزيز أخنوش، داخل قبة البرلمان، جدلاً واسعاً بعدما قال: "أنا كنعرف ثلثين ديال رجال الأعمال، وإذا بغيت مانتعاملش معاهم، راه ما غايخدم حتى واحد". البعض قرأ هذه العبارة على أنها تهديد مبطّن واعتراف بالتحكم في دواليب الاقتصاد الوطني، بينما الحقيقة أن الكلام، حين يُقرأ بسياقه الكامل وبنية عقلانية، يُفهم على نحو مختلف تماماً. ما قصده رئيس الحكومة، في تقديري، ليس تهديداً ولا تبجحاً، بل توصيفاً لواقع اقتصادي مركّب. المغرب لا يتوفر على قاعدة واسعة من رجال الأعمال الكبار، ومن الطبيعي أن تربط رئيس الحكومة علاقات مهنية أو معرفة شخصية بنسبة كبيرة منهم، بحكم سنوات اشتغاله في القطاع الخاص. وبالتالي، فإن الدعوة لقطع أي علاقة سابقة مع كل من يعرفهم بدعوى الحياد المطلق، هي دعوة غير واقعية، بل قد تؤدي إلى شلل اقتصادي، لأنه ببساطة لن يجد مع من يشتغل أو من يستثمر. المعرفة الشخصية لا تعني بالضرورة وجود تضارب في المصالح. ما يهم هو احترام الشفافية وتكافؤ الفرص، وضمان أن تظل قواعد المنافسة مفتوحة أمام الجميع. أما تحويل كل علاقة سابقة إلى شبهة، فهو تبسيط مخلّ، يضر أكثر مما ينفع. المثير أن هذا التصريح أعاد إلى الأذهان نفس النهج الذي اتُّبع سابقاً مع عبارة "غادي نربّيو لي ما مربّينش"، والتي أخرجت هي الأخرى من سياقها. وقتها، كان رئيس الحكومة يقصد فئة خارجة عن القانون، قامت بأعمال مشينة، منها حرق العلم المغربي في هولندا، ولم يكن يوجه كلامه إلى المواطنين أو المعارضين. لكن الخصوم السياسيين لجأوا مجدداً إلى نفس الأسلوب: اقتطاع الكلام من سياقه، وشحنه بما يناسب أجنداتهم. الفرق بين التفسير والتأويل هنا مهم وأساسي. التفسير يفكك المعنى الحقيقي للكلام، بينما التأويل يُلبسه نوايا لم تُصرّح بها، ويُحيله إلى سلاح في معركة سياسية. نعم، من حق المعارضة أن تنتقد وتراقب، لكن من واجبها أيضاً أن تتحلى بالإنصاف وتجنب التضليل المتعمد. إن التعامل مع كلام رئيس الحكومة بهذا القدر من التشنج يُضعف النقاش العمومي، ويغذي انعدام الثقة في المؤسسات. أما إذا أردنا فعلاً أن نُعالج إشكالية تضارب المصالح، فلنفعل ذلك عبر تشريعات قوية ومراقبة فعالة، لا عبر اجتزاء العبارات وشيطنة الأشخاص.