قالت الباحثة المتخصصة في العلوم السياسية، الدكتوراه ياسمين حسناوي*، إن المغرب “ربح الرهان” في قضية النزاع المفتعل حول قضية الصحراء. وأشارت، في سياق تصريحات أدلت بها لجريدة “كشـ24” حول كتابها الصادر مؤخرا في أمريكا حول “المأزق في نزاع الصحراء: فهم دور الجزائر والطريق إلى الحل”، إلى أن لغة الأمم المتحدة قد تغيرات في الآونة الأخيرة، حيث “الاستفتاء لم يعد يذكر وتقرير المصير أقبر”. وتحدثت أستاذة العلوم الإنسانية والاجتماعية في الجامعة الدولية في الكويت، على أن أزيد من 30 قرارا لمجلس الأمن يحث على التفاوض بين الأطراف المعنية.
معالم “رؤية غير مسبوقة”
وما يعزز أيضا توجه “ربح الرهان” في هذه القضية، بحسب الباحثة الحسناوي أن أكثر من 80 في المائة من أعضاء الأمم المتحدة وأكثر من نصف أعضاء الاتحاد الإفريقي يدعمون الحكم الذاتي، إلى جانب أكثر من 17 عضوا في الاتحاد الأوربي.
وأكدت الباحثة حسناوي والتي راكمت ما يقرب من عشر سنوات في التدريس بعدة جامعات أمريكية، والتي كرست مجهودا متميزا من أجل تأليف هذا العمل الأكاديمي باللغة الإنجليزية، بأن الجزائر هي التي تواصل عرقلة طي هذا الملف، لكنها سجلت أن السياق سيجبرها على حل المشكل بالنظر إلى السياق وإلى الديبلوماسية الملكية التي حققت ثمارا غير مسبوقة.
وحول سؤال يتعلق بمعالم “الرؤية غير المسبوقة” التي يحاول الكتاب أن يقدمها لواحد من أكثر الصراعات المستمرة في شمال إفريقيا، ذكرت الباحثة حسناوي إنها التقت أكثر من 30 شخصية في أكثر من 10 دول ومنها أمريكا وفرنسا وسويسرا وإسبانيا، كان لها دور في الملف، سواء في شقه الأكاديمي أو السياسي أو في المفاوضات، ومن بين هذه الشخصيات سياسيون وديبلوماسيون شاركوا في المفاوضات بين المغرب والجزائر والبوليساريو، وذلك إلى جانب متخصصين في هذا المجال. وقالت إنها التقت خلال إنجاز هذا العمل الميداني الذي استمر لسنتين، مع معنيين في الجانبين، أي جانب الجزائر وجهة المغرب وحتى من البوليساريو وجلست معهم وحاورتهم. ومن الشخصيات المغربية الوازنة التي حاورتها، يظهر كل من الراحل امحمد بوستة، ومحمد اليازغي، وشخصيات أخرى كان لها دور في هذا الملف. ولم يكتف الكتاب بإدراج مضمون هذه المقابلات، بل اشتغل على تحليله وتفكيكه، خاصة وأن ضمنها تصريحات حصرية حول تورط الجزائر.
فجوة في العالم الأنجلوساكسوني
وعن الدوافع وراء اختيار النشر والتوزيع وبالإنجليزية في أمريكا، ردت الدكتوراه حسناوي، بأن الكتاب الذي نشر من طرف Rowman & Littefield، وهي من أكبر دور النشر في العالم، يرمي إلى ملء الفجوة الحاصلة في العالم الأنجلوساكسوني، حيث إن الكتاب هو أول كتاب يتحدث عن الجزائر ودورها في قضية الصحراء.
لكن اللافت بالنسبة إليها أن المغرب يخسر في بعض الأحيان معركته في العالم الأنجلوساكسوني بسبب النقص في المنشورات باللغة الإنجليزية وهو النقص الذي استغله الخصوم، وهو معطى سبق أن أكده لها جون بولتون، مستشار الأمن القومي السابق للرئيس ترامب في ولايته الأولى.
وقال بولتون إن المغرب رغم أنه ربح الرهان إلا أن هناك مشكل متعلق بنقص المنشورات التي تدافع على قضية المغرب العادلة تاريخيا وقانونيا.
وفي هذا السياق اعتبرت الباحثة أن الأمر يحتاج إلى سنوات من العمل لتفكيك سبعين سنة من الدعاية التي غمرت العالم الأكاديمي الذي يتحدث بالإنجليزية.
دور الجزائر والطريق إلى الحل
واعتبرت أن غياب التكامل المغاربي يعود إلى هذا النزاع المفتعل الذي استمر منذ الحرب الباردة، مضيفة بأن هذا الوضع يسبب خسارة لا تقل عن نقطتين من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما تدركه بلدان المنطقة المغاربية وشمال أفريقيا، وأفريقيا. “المغرب لن يخرج من صحرائه وهذه البلدان تعرف هذا، لهذا فهي تتجه للاشتغال أكثر مع المغرب في جميع المجالات”.
ويتضمن كتاب “المأزق في نزاع الصحراء: فهم دور الجزائر والطريق إلى الحل” ما أسمته الباحثة بالأدلة الداعمة التي تؤكد تورط الجزائر المباشر في إدامة هذا الصراع.
وقالت حسناوي، في ردها حول سؤال لـ”كشـ24″ يخص أبرز معالم هذا التورط، ومصلحة الجزائر في إدامة هذا الصراع، إنها اشتغلت في فصل خاص من الكتاب حول دور رؤساء الجزائر في هذه القضية، وذلك ابتداء من الرئيس بن بلة، إلى الرئيس الحالي عبد المجيد تبون، واشتغلت على تحليل ملابسات ومظاهر هذا التورط الجزائري وبشكل مباشر في إدامة الصراع، كما قامت بتفكيك ما وصفته بالحجة الرسمية الجزائرية، وأظهرت مشاركة جميع الرؤساء باستثناء الرئيس الراحل بوضياف الذي عبر عن إرادة لحل هذا الصراع.
وتؤكد المقابلات التي أجرتها الباحثة مع عدد من الفاعلين والمتخصصين والدبلوماسيين، ومنهم عدد من الأجانب، تورط الجزائر في مأزق الأزمة. وقالت، في هذا الصدد، إنه منذ استعادة المغرب لأقاليمه الجنوبية في سنة 1975، اعترض هواري بومدين على هذا القرار ودعم جبهة البوليساريو ماليا وعسكريا، والجزائر عازمة دوما على منع المغرب من الظهور كقوة في شمال أفريقيا، من خلال إدامة هذا النزاع المفتعل، وزعزعة الاستقرار في شمال أفريقيا. كما انخرطت الجزائر بقوة في مساعدة البوليساريو، وترديد مطالبها من خلال الدفاع عن تقرير المصير، رغم أن الأمم المتحدة قد أقبرت هذا الطرح.
“كل الذين التقيتهم في الأمم المتحدة أكدوا لي أن الجزائر تقف وراء صياغة خطة بيكر الأولى، وتضمين حقوق الإنسان في مهام المينورسو..لقد فعلت كل شيء من أجل استمرار هذا النزاع المفتعل، ورفضت التعامل مع المبعوثيين الشخصيين للأمين العام للأمم المتحدة، ورفضت المشاركة في طاولة جنيف الأولى والثانية. وفي بعض المرات تقدم نفسها على أنها طرف معني، وفي مرات تقدم نفسها على أنها طرف مهم، وفي مرات أخرى تؤكد على أنها طرف وعنصر في تسوية النزاع. كما رفضت إجراء إحصاء مستقل للصحراويين الذين يعيشون في مخيمات تيندوف. وكثير من التقارير تؤكد تورطها في إعادة بيع مساعدات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في دول أخرى في أفريقيا. وهذه كلها معطيات تؤكد تورطها وتبين أنها طرف معني في هذه القضية”..
*ياسمين حسناوي، باحثة مغربية حاصلة على الدكتوراه في العلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط. قبل ذلك، حصلت على ماستر في تخصص التواصل بجامعة القاضي عياض بمراكش، ونالت شهادة الإجازة في الأدب الإنجليزي بجامعة المحمدية.
اشتغلت مكلفة بالتواصل لدى مؤسسات دولية كثيرة في المغرب. وتشتغل منذ أكثر من 10 سنوات في التعليم، مارست مهنة التدريس في أمريكا، وتدرس حاليا العلوم الإنسانية والاجتماعية في الجامعة الدولية الأمريكية في الكويت.