ع اللطيف بركة - هبة بريس
شهدت أغلب الجماعات الترابية بأقاليم المملكة، خلال دورة أكتوبر العادية، أحداثًا مختلفة ما بين ملاكمة جماعية ومشادات كلامية، وصولاً إلى مقاطعات لأشغالها. بل إن بعض الاجتماعات حضرته قوات أمنية من أجل عقدها، وهو ما جعلها، بعد نشر فيديوهات وصور على مواقع التواصل الاجتماعي، فضاءً للسخرية. وقد صار الوضع يتعلق بفوضى قد تصل إلى مرحلة الاشتباك بالأيدي والتراشق بالطاولات والكراسي جراء الخلافات حول نقطة تدبيرية معينة أو صعوبة في تبرير موقف محدد بين تشكيلات التحالفات.
وأطلت عدد من الجماعات الترابية خلال مجريات عقد دورة أكتوبر العادية على متتبعي الشأن العام الوطني، إذ تحول بعضها إلى حلبة للملاكمة، مثل مجلس جماعة سيدي زوين التابع إداريًا لعمالة مراكش، حيث وصلت الفوضى إلى درجة لم تسمح بسير الدورة بشكل عادي وسليم، وذلك وفقًا للفيديوهات المتاحة في هذا الصدد.
ومما لا شك فيه أن مثل هذه الممارسات لا تقتصر على جماعة واحدة؛ بل شهدت أغلبية الجماعات الترابية أحداثًا مختلفة خلال دورة أكتوبر. فعلى سبيل المثال، انسحب الأعضاء من إحدى الجماعات بإقليم اشتوكة وتركوا الرئيس بمفرده. كما استدعى البعض حضور رجال الدرك مثل جماعة أساكي بتارودانت، فيما لم يحضر الأعضاء في جماعات أخرى بعمالة أكادير إداوتنان. أما بعض الجماعات الأخرى، فقد شهدت مطالبات باستقالة رؤساء مجالسها.
هذا الوضع أثار تساؤلات مهمة حول مثل هذه الممارسات ومدى وعي القائمين بها، وهل يؤمنون بمبادئ العمل السياسي وبرمزية صفة المنتخب التي يحملونها، خاصة في ظل تعويل المواطنين على هذه المجالس لتجاوز التعثرات الاقتصادية والاجتماعية وتسريع التنمية.
كما تطرح هذه الوقائع مسألة تسريع اعتماد ميثاق الأخلاقيات الخاص بالعمل السياسي على مستوى المجالس الجماعية، التي تمتلك صلاحيات موسعة، ويعلق عليها المواطنون آمالًا كبيرة في المجال التنموي. وهو ما يدفع إلى ضرورة التعامل بصرامة مع من لا يلتزمون برمزية هذه المؤسسات.
– تصرفات أساءت لرمزية المؤسسات:
يرى باحثون في الشأن المحلي أن تكرار هذه السلوكيات داخل المجالس المنتخبة لم يعد مقبولًا، لأنها تقدم صورة سلبية عن هذه المؤسسات. كما أن المواطن، الذي هو الأساس في انتخاب أعضاء هذه المجالس، وفي الوقت نفسه يرتبط بهذه البنية الترابية التي تسعى إلى تحقيق مبدأ القرب المجالي بين المنتخب والمواطن، يجد نفسه في مواجهة صراعات واشتباكات لفظية وبدنية لا تتناسب مع أهمية المجالس الجماعية، مما يدفع إلى ضرورة تخليق الحياة السياسية.
من جانبهم، يرى خبراء قانونيون أن ما وقع من أحداث داخل دورة أكتوبر بالجماعات الترابية يثير تساؤلات حول مدى تفعيل وزارة الداخلية، عبر ممثليها من سلطات محلية، للمواثيق المتعلقة بالأخلاقيات على مستوى المجالس الترابية. ففي الوقت الذي يتم الحديث فيه عن هذه المواثيق على مستوى مجلس النواب والمستويات العليا، يتم إغفال تطبيقها على هذه المجالس.
يرى الشارع العام، ومعه نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، أن هذه الأحداث التي شهدتها دورات أكتوبر أربكت السير العادي لتلك الجماعات، وأصبحت تعرقل تقديم الخدمات للمواطنين، وتهدر الزمن السياسي. حيث أن الأمل معقود لدى المواطنين على هذه الجماعات الترابية بالنظر إلى أنها إدارة للقرب ولها اختصاصاتها الذاتية.
وهناك من يشبه هذه الممارسات بمرض عضال يجب استئصاله، من خلال الانخراط في تخليق الحياة السياسية، وخلق بنية قانونية تعزز هذه البنية الترابية.