سعيد سونا - باحث في الفكر المعاصر
تقول العرب: "كلام الليل يمحوه النهار"، لذلك على الشعب السوري أن يعلم أنه سجل هدفًا ثمينًا ومن حقه أن يفرح، لكن عليه أن يدرك كذلك أن المباراة لم تنتهِ بعد، لأن دم سوريا سيتفرق بين القبائل التي رتبت لصفقة القرن.
إن من البلاهة الزاحفة أن يصدق أهل سوريا ما تقوله الدول المختصة في فن اغتصاب العقول، لأن ما جرى هو صفقة ستغير وجه العالم، وليس انتصارًا جاء من رحم عمل ثوري منظم. وفي هذا الباب، هناك مثل عامي مغربي يقول: "بالفرحة هرس الرحى"، ففي الوقت الذي يعيش فيه الشعب السوري على وقع فرح سريالي، هناك من يستثمر الوضع لإتمام فصول الصفقة الخبيثة التي تعرضت لها سوريا، حيث يتم ترتيب ملامح العالم والمحيط الإقليمي على أرض سوريا. لذلك على حكماء الشام أن يتعاملوا بطيبوبة علي ودهاء معاوية، حتى يفسدوا على ذئاب العالم مآربهم القذرة.
إن الخطب جلل، وإن ما ينتظر سوريا أخطر من مرحلة بشار الأسد، فهذا الأخير مجرد بيدق على طاولة القوى العظمى. أولاً، من الناحية المنهجية، يجب أن نعرف ما جرى، حتى يسهل علينا قراءة المرحلة المقبلة بالكثير من الحيطة والحذر.
بعدما لجأ حزب الله إلى ما يُعرف عسكريًا بـ "خطة المشاغلة"، أي التشويش على إسرائيل شمالًا حتى يتفرق تركيزها العسكري بين غزة وجنوب لبنان، وحتى تلتقط حماس أنفاسها، فاجأ الكيان الصهيوني العالم بجرأته غير المتوقعة، وقام باغتيال حسن نصر الله وتهديد إيران بضرب منشآتها النووية، مع انتباه إسرائيل إلى سكوت بشار الأسد طيلة ما يجري في المنطقة. الأمر الذي دفع بجميع الأطراف إلى اللجوء إلى البرغماتية والواقعية بعدما تغيرت جميع المعطيات على الأرض، وتم ما يلي:
إسرائيل تطلب من قطر طرد المكتب السياسي لحماس، وقطر تنحني وتقبل بالأمر نظراً لقراءتها الذكية لما ستؤول إليه الأوضاع.
روسيا المنشغلة بحربها مع أوكرانيا تصل إلى اتفاق مع أمريكا، يقضي بعدم دعم الأسد وإقناعه باللجوء إليها، بعدما تخلى عنه إيران وروسيا، وبالتالي تفكك أسطورة قوى الممانعة في الشرق الأوسط.
تمويه العالم والسوريين بأن ما حدث نتيجة لثورة جولانية انطلقت من إدلب وليس بفعل فاعل.
إسرائيل تتمدد داخل التراب السوري وتريد حصتها من الصفقة، بعدما انتهت من نظام أقلق راحتها لثلاثين سنة.
روسيا تريد حصتها من الكعكة من خلال منع أوكرانيا من الانضمام إلى الناتو بضمانات أمريكية، مقابل عدم التدخل في شؤون الشرق الأوسط في المستقبل.
أمريكا تريد الاستمرار في هيمنتها على الشرق الأوسط عبر دعم إسرائيل.
أخطر ما جرى هو تفكك الجيش السوري، وهذا تم بخبث كبير حتى يصعب بناء الدولة السورية الجديدة.
أكبر المستفيدين مما جرى هما إسرائيل والسعودية؛ إسرائيل انتهت من نظام ممانع، والسعودية منتشية بالوهن الذي أصاب إيران.
كل هذا تم والشعب السوري لا يزال يحتفل أمام مصير مجهول لدولة استراتيجية على المستوى الإقليمي، وسط دعوة الأطراف الصادقة إلى ضرورة التسريع بفتح حوار جاد بين مكونات الشعب السوري، بمخرجات تنتهي ببناء دولة مدنية قوية، تستوعب جميع أبنائها وطوائفها، في ظل دستور ينتصر للمؤسسات. هذا المبتغى لن يتحقق إلا بإحياء روح الوطنية في جسم كل الطوائف، خشية الدخول في حرب طائفية تحت أرضية إسرائيلية تسعى إلى الانقضاض على سوريا بعدما فصلتها عن إيران وروسيا.
المطلوب طيبوبة علي ودهاء معاوية، والمطلوب أيضًا البندقية في يد وجدع الزيتون في اليد الأخرى. نعم، الكل يخطط، لكن الله لن يتخلى عن المؤمنين.