هبة بريس - مروان المغربي
سجل قطاع التربية الوطنية والتعليم الأولي الذي يشرف عليه الوزير شكيب بنموسى، الذي عينه الملك في حكومة عزيز أخنوش عددا من الإخفاقات والاختلالات، خاصة وأنه قادم من تجربة لجنة النموذج التنموي الجديد، التي خلصت إلى عدد من التوصيات أبرزها تأهيل وتجويد قطاع التعليم كركيزة أساسية من أجل تحقيق الإقلاع التنموي، وأنه لا محيد عن التعليم من أجل تجاوز عقبات النموذج التنموي القديم.
واستبشر العديد من المشتغلين والمهتمين بقطاع التعليم خيرا، حين تم إسناد حقيبة وزارة التربية الوطنية لشكيب بنموسى، باعتباره مطلع على مكامن الداء في هذا القطاع الحيوي، حين كان يتجول المدن والقرى والتقى عددا من الفعاليات للتعرف عن مشاكل التعليم والبحث لها عن حلول حاسمة بدل السقوط في دوامة الإصلاح وإصلاح الإصلاح، لكن مع مرور الشهور والسنوات الثلاث الى حدود اليوم، تبين أن الوزارة راكمت مشاكل أكبر وارتكب خلالها الوزير إخفاقات أخرى تنضاف الى سابقتها مما يكرس الأزمة أكثر ويكشف بالملموس والأرقام أن الوزارة المذكورة أكبر من الوزير نفسه الذي كان شغل قبلها منصب وزير للداخلية.
جريدة ”هبة برس“ الإلكترونبة ترصد أهم النقط التي تعتبر أن الوزير شكيب بنموسى أخطأ الطريق والوسيلة فيها..
إخفاقات الانطلاق:
كان بنموسى قد رفع التحديات كان خلال الاشهر الأولى من توليه حقيبة وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، خلال تقديمه شهر نونبر من سنة 2021، الميزانية الفرعية لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة أمام لجنة التعليم والشؤون الثقافية والاجتماعية بمجلس المستشارين، إذ اعتبر أن القانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، جاء لوضع حد لإشكالية "عدم خضوع الإصلاح للاعتبارات السياسية، للخروج من دوامة إصلاح الإصلاح". باعتباره (أي الإطار) يضفي طابع الإلزامية والاستمرارية على الإصلاح، وأن وزارته ستعتمد مقاربة جديدة تستثمر تقرير النموذج التنموي الجديد. الذي يضمن الشروط الموضوعية لتجويد المنظومة التعليمية التعلمية.
لكن بنموسى اصطدم بصخرة القطاع الخاص ولم يجد مخرجا إلا بالتحايل على سؤال "رسوم وواجبات التمدرس في التعليم الخصوصي"، وبالاستعانة بمجلس المنافسة على اعتبار ان الأمر يتعلق بمبدأ الطلب والعرض في سوق التعليم المدرسي. بحيث أن القانون رقم 06.00 الذي يعتبر بمثابة النظام الأساسي للتعليم المدرسي الخصوصي، لا يخول لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة التدخل من أجل تحديد الرسوم والواجبات المطبقة بمؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي، والتي تبقى خاضعة لمبدأ العرض والطلب، ولنوعية الخدمات المرغوب فيها من طرف أمهات وآباء وأولياء التلاميذ.
وتجاهل بنموسى من خلال هذا الجواب مقتضيات القانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، التي نصت على “تحديد ومراجعة رسوم التسجيل والدراسة والتأمين والخدمات ذات الصلة بمؤسسات التربية والتعليم الخاصة وفق معايير تحدد بمرسوم”، بالرغم من أن هذا المرسوم غير متوفر لحد الآن.
وبعد مرور ثلاث سنوات عن سقف الطموح الذي رسمه بنموسى والذي اعتبر أن تنزيل هذا الإصلاح سيتطلب حوالي خمس سنوات، نتسائل أين المنظومة التعليمية من هذه التباشير التي هلل بها الوزير سنة 2021 ؟
أزمة إضرابات الأساتذة:
كلفت الاضرابات التي خاضها نساء ورجال لتعليم احتجاجا على "النظام الأساسي" 840 ساعة تعليمية في ظرف زمني يضم 3 أشهر حسب تصريح الوزير، الذي ضيع على التلاميذ التمدرس وأدخل البلاد في أزمة احتقان اجتماعي أسفرت عن اعتقالات حينها لبعض الأساتذة وإصابات مزمنة في أجسادهم جراء التدخلات الأمنية التي شابت المسيرات والوقفات الاحتجاجية أمام مقر الوزارة باب الرواح أو أمام قبة البرلمان وشوارع المدن والأقاليم، جعلت بعض الأصوات تطالب حينها باستقالة أو إقالة بنموسى أمام هذا الوضع الذي كان يمكن حله بالتراضي مع جميع الأطراف وتجنيب المغرب ضياع 3 أشهر من زمنه التعليمي.
ولازالت معاناة عدد من الأساتذة في وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، مستمرة الى اليوم إثر حرمانهم من رواتبهم للشهر التاسع على التوالي، رغم دعوات التنسيقيات والنقابات المطالبة بالطي النهائي ملف الموقوفين عن العمل وتسريح رواتبهم النظامية منذ الحراك التعليمي الذي امتد لنحو ثلاثة أشهر..
مجلس المالكي يجلد بنموسى:
كشف رئيس المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، الحبيب المالكي، “فشل” وزارة التربية الوطنية على عهد الوزير شكيب بنموسى في تقليص الهدر المدرسي، وأكد خلال افتتاح الدورة الثالثة من الولاية الثانية للمجلس، أن “المنظومة التربوية وإن كانت قد حققت تقدما في مجال الولوج وإنصاف النوع، فإنها لا تزال متأخرة في محاربة الانقطاع الدراسي والهدر المدرسي“.
وبلغت نسبة عدد المنقطعين عن الدراسة برسم الموسم الدراسي 2022 – 2023، حسب المالكي 5 في المائة، أي أكثر من الموسم الدراسي 2021 – 2022، الذي بلغت فيه نسبة عدد المنقطعين 3.4 في المائة، علما أن استراتيجية الوزارة تروم تقليص عدد المنقطعين بالثلث في أفق 2026.
وفشلت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولى والرياضة، حسب المالكي في تقليص نسبة الهدر المدرسي داخل منظومة التربية الوطنية، بعدما ارتفع عدد المنقطعين عن الدراسة إلى 334.664 ألف تلميذ.
ودعا رئيس المجلس الأعلى للتربية والتكوين، جميع أطراف العملية التربوية لتحمل المسؤولية، وتدارك النقص المسجل، بجدولة زمنية محددة، وإطلاع أمهات وآباء وأولياء التلاميذ على مضامينها، والسهر على تطبيقها، وجعل المصلحة الفضلى للمتعلم فوق كل اعتبار.
مدرسة الريادة مطبات متتالية:
بالرغم من الثناء والإشادة بمشروع مدارس الريادة التي لا يترك وزير التربية الوطنية والتعليم الاولية والرياضة شكيب بنموسى، فرصة الا واستحضرها آخرها ما صرح به يوم الجمعة 6 شتنبر 2024، في ندوة صحفية بمناسبة الدخول المدرسي أن أزيد من مليون تلميذ مغربي يستفيد خلال الموسم الجديد 2024/2025 من برنامج مدارس الريادة الذي انطلق العام الماضي ولامس تلاميذ التعليم الإبتدائي بنسبة 30 بالمائة. وأن مشروع مدارس الريادة استهدف الموسم الماضي 320 ألف تلميذ مغربي داخل 626 مؤسسة تعليمية، مشيراً إلى أن ما يفوق 7 بالمائة من تلاميذ التعليم الابتدائي استفادوا من البرنامج سواء على مستوى العالم القروي أو الحضري. إلا أن عدد من النواقص تشوب هذا البرنامج ليس رجما بالغيب ولكن لأسباب موضوعية لا يمكن تجاهلها أو القفز عليها.
أولى هذه النواقص حسب عدد من الملاحظين والمختصين، إغفال اللغة الرسمية للبلاد وعدم الاشتغال على توفير الوسائل والعناصر البشرية لتدريسها بمؤسسات المشروع، وذلك للموسم الدراسي الثاني على التوالي، وهو ما يعتبر تعسفا منافيا لدستور المملكة وتقويضا لجهود أخرى تبذل من قبل أصحاب مشروع تسريع تعميم تدريس اللغة الأمازيغية ضمن نفس الوزارة.
كما أنه تم تسجيل إرغام عدد من مدرسي الأمازيغية (مدرس متخصص) على الانخراط في دعم المواد الأخرى، علما أنه لم يستفد من التكوين اللازم لذلك في تكوينه الأساس، زيادة على كون ذلك يشكل ضربا واضحا للمشروع الذي يبتغي الجودة ويجعل من التكوين العميق أحد أسسه الكبرى.
ونتج أيضا عن تأخر صفقات تجهيز مؤسسات الريادة بسلكيه الابتدائي والإعدادي والذي اعتمدت فيه الوزارة على “صفقات جماعية” أسوة بتجربة الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين خلال سنة 2010، حيث لم تكن عدد من الصفقات مثمرة، (نتج عنه) تأخر عملية إطلاق أخرى، مما جعل هذا الوضع يرهن مستقبل تجهيز 2000 مؤسسة للريادة بالتعليم الابتدائي، و22″ مؤسسة للريادة بالتعليم الثانوي الإعدادي.
وعبر العديد من الأساتذة المنخرطين في مشروع مدارس الريادة في تصريحات متفرقة عن استيائهم الشديد من قرار صرف المنحة السنوية المخصصة لهم لمرة واحدة فقط في مسارهم المهني، بدلاً من صرفها سنويًا.
هذا القرار أثار إحباطًا كبيرًا لدى هؤلاء الأطر التربوية، الذين يرون في هذه المنحة حافزًا مهمًا يشجعهم على الاستمرار في تطوير التعليم وتحقيق الأهداف التربوية المنشودة.
وأكد الأساتذة، حسب ماورد في سؤال كتابي نيابي موجه للوزير بنموسى، أنهم لم يتلقوا أي تجهيزات للعمل، مثل الحواسيب أو الوثائق الضرورية، ما أثر سلبًا على قدرتهم على التدريس وفق المعايير التي وضعتها الحكومة. بالإضافة خصاص كبير في كراسات المتعلمين.
وأمام هذا المشروع البراق والواعد على الورق، فإن عددامن أساتذة مدارس الريادة يعانون من اكتظاظ الحجرات الدراسية، مما يصعب عملية التدريس ويؤثر سلبًا على جودة التعليم. إضافة إلى الخصاص الكبير في كراسات المتعلمين، مما يعيق التحصيل الدراسي. كما يواجه التلاميذ صعوبات في الانتقال إلى أقاليم أخرى لاستكمال دراستهم في مدارس الريادة، مما يزيد من تعقيد الوضع.
كما نبهت نقابة تعليمية، إلى بعض الاختلالات التي يعرفها مشروع “مدارس الريادة". ومن بينها غياب تكافؤ الفرص بين التلاميذ في الاستفادة من نفس ظروف التدريس، وكذا التعثر الحاصل في التجهيزات والعتاد في مجموعة من المديريات، وأيضا عدم اعتماد مقاربة شفافة في صرف الاعتمادات المخصصة، وحسن تدبير الميزانية المرصودة ضمانا للحكامة الجيدة.
ودقت النقابة ناقوس الخطر فيما يتعلق بالتعثرات الحاصلة في الدخول المدرسي، سواء ما تعلق بتدبير الفائض والخصاص، واستمرار الاكتظاظ في الأقسام، واعتماد الأقسام المشتركة، وكذا الخصاص المهول في أطر الإدارة التربوية، بالإضافة للوضعية المزرية للعديد من المؤسسات التعليمية، وغياب العدة الديداكتيكية والتجهيزات اللازمة.
وأعربت النقابة ذاتها عن تضامنها المطلق واللامشروط مع عموم الأسر المغربية على إثر موجة الغلاء التي تعرفها المواد الأساسية واللوازم الدراسية، وانهيار القدرة الشرائية للطبقات الدنيا والمتوسطة، في مقابل انسحاب الحكومة من أدوارها الاجتماعية، واستمرارها في نهج سياسة إغناء الغني وإفقار الفقير، وهو ما ينذر بعواقب اجتماعية وخيمة على رأسها ما شهدناه من محاولات هجرة جماعية لأبناء وبنات الشعب المغربي.
إلغاء مليون محفظة إرضاء للكتبيين وتكريس للهدر المدرسي
أثار قرار إلغاء برنامج مليون محفظة وتعويضها بـ200 درهم الذي نزل كالماء البارد على ظهر الفقراء استياء كبيرا خاصة أن هذا التعويض لا يكفي حتى لشراء المحفظة نفسها فارغة، بعد مصادقة مجلس الحكومة في24 يوليوز 2024، على مشروع مرسوم يتعلق بنظام الدعم الاجتماعي المباشر، يتم بموجبه إلغاء برنامج مليون محفظة الذي انطلق سنة 2008، ليتم تعويضه بدعم مالي مباشر يستهدف الأسر المعوزة، قيمته 200 درهم للمتمدرسين في المستويات الابتدائية والإعدادية و300 درهم للمستوى الثانوي، مشترطا تسجيل هذه الأسر في السجل الاجتماعي الموحد.
خاصة أن القرار تم التخلي عنه مثله مثل باقي البرامج السابقة التي تم إلغاؤها والتخلي عنها، كبرنامج “تيسير” وبرنامج ”دعم الأرامل”. التي تضرب في العمق مفهوم الدولة الاجتماعية ويتم التعاطي معها سياسيا لارضاء الخواطر، رغم أن هذا التسييس كان الوزير بنموسى قد صرح بأنه يرفضه ويشكل خطورة و أن القانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، جاء لوضع حد لإشكالية "عدم خضوع الإصلاح للاعتبارات السياسية، للخروج من دوامة إصلاح الإصلاح".
ولتذكير السيد الوزير كما يؤكد على ذلك عدد من الفاعلين في القطاع، فبرنامج مليون محفظة جاء تبنيه كجزء من تدابير البرنامج الاستعجالي سنة 2008، والرعاية الملكية الواضحة لهذا البرنامج، الذي أريد له أن يساهم في القضاء على الهدر المدرسي وتحقيق تكافؤ الفرص في الحصول على حق التعليم الدستوري، لكن إلغاء مليون محفظة وتعويضها بدعم اجتماعي مباشر للأسر المحتاجة، يبقى ناقصا وذرا للرماد في العيون، خاصة أن هذا المؤشر تعتبره عدد من الأسر غير منصف ولا يعكس بالضرورة الحالة الاجتماعية الهشة لبعض الأسر، وهو ما يطرح أسئلة عديدة حول ربط دعم الأسر المحتاجة في الدخول المدرسي بالمؤشر الذي لا زال يعاني من العديد من المشاكل.
وفي نفس السياق، أكد سؤال كتابي نيابي موجه للوزير منتصف شتنبر المنصرم، أن إلغاء مبادرة مليون محفظة، واستبدالها بدعم مالي مباشر، بالشكل الذي تم تنزيله به، والذي أقصى الكثير من الأسر، سيكون له تأثير مباشر على رفع نسبة الهدر المدرسي.
وأن إلغاء هذه المبادرة، دفع بالعديد من الأسر التي كانت تستفيد منها، إلى اعلان عدم قدرتها على اقتناء الأدوات المدرسية. معتبرة أن الدخول المدرسي الجديد، كشف عدم صوابية إلغاء مبادرة “مليون محفظة”، التي كانت تهدف إلى دعم الأسر المغربية، من خلال توفير المحافظ والكتب المدرسية للتلاميذ المحتاجين، وتساهم في تخفيف الأعباء المالية عن الأسر الفقيرة، والتي في وضعية هشاشة، وتساهم بالتالي في محاربة الهدر المدرسي.