من العودة إلى الاتحاد الإفريقي إلى مبادرة الساحل الأطلسي.. مسار نجاح الدبلوماسية المغربية الرصينة

الكاتب: المهدي الـڭطابي في يناير من سنة 2017، أعلن صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، من منصة القمة الثامنة والعشرين للاتحاد الإفريقي، عودة المملكة المغربية إلى "بيتها المؤسساتي"، بعد غياب قسري دام لأكثر من ثلاثة عقود. عودة لم تكن مجرد خطوة رمزية أو تحرك دبلوماسي ظرفي، بل لحظة مفصلية أعادت تموقع المملكة في عمقها الإفريقي وفق منظور استراتيجي شمولي، يجمع بين الواقعية السياسية، والدينامية الاقتصادية، والدبلوماسية الروحية. الانسحاب التاريخي للمملكة المغربية من منظمة الوحدة الإفريقية سنة 1984 جاء رفضًا قاطعاً لقبول كيان وهمي لا تتوفر فيه شروط الدولة، عضواً داخل المنظمة. وتمسكت المملكة بمبادئ الشرعية الدولية والسيادة الوطنية، ورفضت المساومة على وحدتها الترابية، وفي مقدمتها الصحراء المغربية. غير أن التحولات الجيوسياسية التي شهدتها القارة، وتغير طبيعة العلاقات البينية، فرضت على المملكة مراجعة أدوات اشتغالها دون التخلي عن ثوابتها. وهكذا، انطلقت منذ تولي جلالة الملك محمد السادس العرش، دبلوماسية استباقية قائمة على الانفتاح، وتكثيف الزيارات الملكية إلى الدول الإفريقية، وتوسيع دا

من العودة إلى الاتحاد الإفريقي إلى مبادرة الساحل الأطلسي.. مسار نجاح الدبلوماسية المغربية الرصينة
   hibapress.com
الكاتب: المهدي الـڭطابي في يناير من سنة 2017، أعلن صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، من منصة القمة الثامنة والعشرين للاتحاد الإفريقي، عودة المملكة المغربية إلى "بيتها المؤسساتي"، بعد غياب قسري دام لأكثر من ثلاثة عقود. عودة لم تكن مجرد خطوة رمزية أو تحرك دبلوماسي ظرفي، بل لحظة مفصلية أعادت تموقع المملكة في عمقها الإفريقي وفق منظور استراتيجي شمولي، يجمع بين الواقعية السياسية، والدينامية الاقتصادية، والدبلوماسية الروحية. الانسحاب التاريخي للمملكة المغربية من منظمة الوحدة الإفريقية سنة 1984 جاء رفضًا قاطعاً لقبول كيان وهمي لا تتوفر فيه شروط الدولة، عضواً داخل المنظمة. وتمسكت المملكة بمبادئ الشرعية الدولية والسيادة الوطنية، ورفضت المساومة على وحدتها الترابية، وفي مقدمتها الصحراء المغربية. غير أن التحولات الجيوسياسية التي شهدتها القارة، وتغير طبيعة العلاقات البينية، فرضت على المملكة مراجعة أدوات اشتغالها دون التخلي عن ثوابتها. وهكذا، انطلقت منذ تولي جلالة الملك محمد السادس العرش، دبلوماسية استباقية قائمة على الانفتاح، وتكثيف الزيارات الملكية إلى الدول الإفريقية، وتوسيع دائرة الشراكات جنوب–جنوب. عودة المملكة المغربية إلى الاتحاد الإفريقي سنة 2017 لم تكن تنازلاً، بل استعادة لموقع طبيعي ومشروع داخل مؤسسات القارة، حظيت بدعم 39 دولة عضواً، في اعتراف صريح بعدالة الموقف المغربي ونجاعة مقاربته الواقعية. دبلوماسية متعددة الأبعاد: من الحضور الرسمي إلى التموقع الاستراتيجي انخرطت المملكة، بعد عودتها، في استراتيجية متعددة الأبعاد لتكريس حضورها في إفريقيا، ليس فقط من خلال العلاقات الرسمية، بل عبر آليات التعاون الاقتصادي، والديني، والثقافي. وأضحت اليوم ثاني أكبر مستثمر إفريقي في القارة، بأكثر من 85% من استثماراتها الخارجية موجهة نحو إفريقيا جنوب الصحراء، خاصة في قطاعات حيوية كالأبناك، والاتصالات، والصناعة، والنقل. المملكة المغربية لم تكتفِ بالاستثمار المالي، بل راهنت على الاستثمار في الإنسان، من خلال تكوين الأئمة، والطلبة، والكوادر، مما ساهم في تعزيز صورتها كقوة ناعمة مستقرة وذات مصداقية. الدفاع عن الصحراء المغربية من داخل الاتحاد بعودة المملكة المغربية إلى الاتحاد الإفريقي، تم نقل معركة الدفاع عن السيادة الوطنية من هامش المنظمة إلى قلب مؤسساتها. فأصبحت المملكة فاعلاً مقرِّراً، لا مجرد مراقب، فيما يتعلق بالقرارات الإفريقية المرتبطة بالصحراء المغربية. تمكنت الدبلوماسية المغربية، بفضل التحركات الملكية الحاسمة، من إعادة بناء التكتلات داخل الاتحاد، وإقناع عدد متزايد من الدول بسحب اعترافها بالجمهورية الوهمية، التي لم يعد لها أي امتداد فعلي أو مؤسساتي خارج الدعم الممنهج للخصوم. وقد توجّت هذه الجهود بدعم دولي متزايد لمبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كحل واقعي وذي مصداقية، كما جاء في إعلان فرنسا سنة 2024 دعمها الصريح لمقترح المملكة، في خطوة غير مسبوقة على المستوى الأوروبي. أنبوب الغاز المغربي–النيجيري: مشروع رائد عابر للقارة يشكل مشروع أنبوب الغاز المغربي–النيجيري المكمل الاستراتيجي لمبادرة الساحل الأطلسي، ضمن رؤية شاملة لربط المملكة المغربية بعمقها الإفريقي. هذا المشروع الوطني الطموح، الذي تم الإعلان عنه في دجنبر 2016 على هامش زيارة صاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى نيجيريا، يهدف إلى مد أنبوب للغاز الطبيعي بطول 5600 كيلومتر عبر الساحل الأطلسي لغرب إفريقيا، مروراً بـ 11 دولة هي: بنين، وتوغو، وغانا، وكوت ديفوار، وليبيريا، وسيراليون، وغينيا، وغينيا بيساو، وغامبيا، والسنغال، وموريتانيا. المشروع المغربي العملاق، الذي تقدر تكلفته بـ 25 مليار دولار، يتوقع أن ينقل 3 مليارات قدم مكعبة يومياً من الغاز، وسيتيح للمملكة المغربية ودول غرب إفريقيا الاستفادة من احتياطيات الغاز النيجيرية الهائلة. كما سيسمح للغاز الإفريقي بالوصول إلى الأسواق الأوروبية عبر أنابيب الغاز المغربية–الأوروبية، مما يجعل المملكة المغربية جسراً طاقياً استراتيجياً بين إفريقيا وأوروبا. تجاوز المشروع مرحلة الدراسات الأولية، وتم توقيع مذكرات تفاهم مع جميع الدول المعنية. كما أعلنت عدة مؤسسات تمويلية إقليمية ودولية استعدادها للمساهمة في تمويله. ورغم التحديات التقنية والمالية والأمنية، يبقى هذا المشروع الوطني رهاناً استراتيجياً للمملكة، يعزز دورها الريادي ويدعم استقلاليتها الطاقية وأمنها القومي. مبادرة الساحل الأطلسي: تحالفات استراتيجية في خدمة إفريقيا أطلقت المملكة المغربية، في دجنبر 2023، بمبادرة من صاحب الجلالة، "مبادرة تمكين دول الساحل من الولوج إلى المحيط الأطلسي"، استجابة لحاجة ملحة عبّر عنها قادة دول الساحل غير الساحلية (مالي، النيجر، بوركينا فاسو، وتشاد). تهدف هذه المبادرة إلى فك العزلة الجيو–اقتصادية عن هذه الدول، وفتح آفاق جديدة للتكامل الإقليمي، خاصة بعد انسحابها من مجموعة الإيكواس، وتشكيلها لتحالف الساحل. المملكة المغربية، من خلال بنياتها التحتية المتطورة وموانئها الكبرى، تقترح نموذجاً تنموياً متكاملاً، يجعل من جنوبها بوابة استراتيجية نحو أعماق القارة. وقد عبّر قادة هذه الدول عن تأييدهم الكامل للمبادرة خلال اجتماع تنسيقي عقد بالرباط، ما يدل على الثقة المتنامية في القيادة المغربية ومصداقيتها. إفريقيا، الامتداد الطبيعي للمملكة المغربية لقد كانت عودة المملكة المغربية إلى الاتحاد الإفريقي لحظة فارقة في مسار بناء سياسة خارجية سيادية، متجذرة في الانتماء الإفريقي، ومتشبثة بالثوابت الوطنية. وإذا كانت القارة الإفريقية اليوم تواجه تحديات أمنية، مناخية، وتنموية جسيمة، فإن المملكة المغربية تقترح نموذجاً مبنياً على التعاون جنوب–جنوب، والسيادة المشتركة، والتكامل الاقتصادي. إفريقيا، بالنسبة للمملكة المغربية، ليست مجرد امتداد جغرافي أو سوق اقتصادي، بل فضاء مشترك للمصير والتنمية والتقدم، حيث تكون السيادة الوطنية، وعلى رأسها قضية الصحراء المغربية، غير قابلة للنقاش، وتظل بوصلة كل تحرك استراتيجي.