تنطلق مساء يومه الجمعة 29 نونبر الجاري فعاليات المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، الذي تمكن، على 23 عاما، من اثبات نفسه كمنصة رئيسية للحوار الثقافي والاحتفاء بالفن السابع.
وتحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، والرئاسة الفعلية لصاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، جسد المهرجان روح الانفتاح المغربية، وجسراً بين الشمال والجنوب وملتقى للثقافات، من خلال رؤى متعددة تقدمها السينما العالمية.
وتشكل النسخة الحادية والعشرون، التي ستنطلق اليوم الجمعة 29 نونبر وتمتد إلى غاية 7 دجنبر 2024، محوراً لاندماج فني استثنائي، مما يعزز مكانة مراكش كعاصمة ثقافية ومركز للسينما العالمية.
وتتميز هذه النسخة ببرمجة غنية وجريئة، حيث سيعرض 71 فيلماً من 32 دولة. كما سيقدّم المهرجان مجموعة من الأعمال، من أفلام روائية مشوّقة إلى وثائقيات عميقة، وصولاً إلى أفلام تحريك مبتكرة.
وما يميز مهرجان مراكش هذه السنة هو قسم “حوارات”، وهي سلسلة من اللقاءات الاستثنائية التي لا نظير لها في أي مهرجان دولي آخر. حيث ستشارك في إطار ساحر بمسرح ميدان، شخصيات بارزة من عالم السينما، مثل تيم برتون وألفونسو كوارون وآفا دوفيرناي، أفكارها وإلهامها وذكرياتها مع جمهور متحمس. ويتيح هذا الشكل التفاعلي والحميمي تبادلاً مباشراً وحقيقياً بين صناع الأفلام والجمهور، مما سيخلق لحظات فريدة من التواصل الفني. هذه الحوارات، التي لا تضاهى في جودتها، تجسد التزام المهرجان بجعل الأسماء البارزة في السينما أقرب إلى عشاق الفن السابع، مقدمة تجربة غامرة في العملية الإبداعية.
ولن ننسى أن أجواء مراكش التي تحتضن المهرجان، ستكون كعادتها، مفعمة بسحر استثنائي. المدينة الحمراء، بألوانها النابضة وحيويتها وأسواقها الساحرة ومناظرها الخلابة، شكّلت، دائما، الخلفية المثالية لهذا الحدث الثقافي. فالعروض الاحتفالية والتكريمات التي ستمنح لشخصيات بارزة مثل ديفيد كروننبرغ والراحلة نعيمة لمشرقي وشون بن، كلها ستجعل هذه النسخة احتفالاً لا يُنسى.
وستسلط أفلام المسابقة الرسمية الضوء على أعمال متجذرة في الواقع المعاصر، وتستكشف مواضيع عالمية مثل الهوية والذاكرة والعلاقات الإنسانية. واتسمت اختيارات هذه الدورة بتوجه أكثر سياسية في البرمجة. فقد تناولت العديد من الأفلام قضايا اجتماعية وجيوسياسية بجرأة، وتناولت التحولات المعاصرة في مختلف القارات.
من جهة أخرى، أصبحت ورشات الأطلس، التي أُطلقت عام 2018، معروفة كحاضنة للمواهب بين صناع الأفلام في المغرب وإفريقيا والعالم العربي. وكان أحد أبرز المواضيع في هذه النسخة هو التركيز على القصص المرتبطة بالهوية. إذ أثارت الأفلام قضايا الانتماء والأرض والبحث عن الذات. وتعكس هذه الأعمال حساسية متزايدة تجاه القضايا الاجتماعية، مؤكدة على دور السينما كمرآة لعصرنا وأداة للتأمل الجماعي.
في 2024، تواصل ورشات الأطلس ترسيخ مكانتها كمحرك أساسي لدعم المواهب الصاعدة من إفريقيا والعالم العربي. بمشاركة 32 مستشاراً دولياً من بلدان مثل المغرب، تونس، لبنان، فرنسا، وحتى الولايات المتحدة، قدمت نسخة هذا العام دعماً مخصصاً لـ54 مشروعاً سينمائياً. ومن بين هذه المبادرات، تم اختيار 17 مشروعاً قيد التطوير و10 أفلام في مرحلة التصوير أو ما بعد الإنتاج من 13 دولة، وذلك من بين 320 طلباً تم تلقيها. منذ انطلاقتها في عام 2018، قدمت الورشات الدعم لـ152 مشروعاً، من بينها 60 مشروعاً مغربياً، مما يعكس التزامها بتعزيز المشهد السينمائي الوطني. وحتى اليوم، تم إنجاز 73 مشروعاً من بين المشاريع المدعومة، بينما تم اختيار 38 فيلماً للمشاركة في مهرجانات سينمائية من الفئة “أ”، وهو دليل على التميز والاعتراف الدولي. هذا العام، اجتمع أكثر من 300 من محترفي السينما حول ورشات الأطلس، مما يعزز دورها كحاضنة لا غنى عنها للإبداع والابتكار في المنطقة.
فمهرجان مراكش ليس مجرد حدث، بل مساحة للتحول حيث يتجاوز الفن الحدود ليجمع بين الثقافات. ويقدم منصة للأصوات المهمشة، ويسلط الضوء على حقائق غالباً ما تكون غير معروفة، ويحتفل بتنوع التجارب الإنسانية.
إن المهرجان الدولي للفيلم بمراكش مستمر في لعب دور حيوي في المشهد السينمائي العالمي، من خلال دعمه للمواهب الناشئة، وتعزيزه للتبادل الثقافي، واحتفائه بالابتكار الفني. كما يثبت اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، أنه محرك للتغيير وحصن للسينما المستقبلية. إنه أكثر من مجرد مهرجان، هو نشيد للفن والحوار والإنسانية. سواءً عبر أفلامه أو ورشاته أو حواراته، يذكّرنا بأن السينما، في عالم منقسم، تظل منارة للأمل والوحدة.