هبة بريس- عبد اللطيف بركة
في السنوات الأخيرة، أصبحت مهنة الجزارة في المغرب تواجه أزمة غير مسبوقة بسبب غلاء أسعار اللحوم الحمراء، ما أثر بشكل كبير على قدرة العديد من الجزارين على الاستمرار في عملهم.
البعض اضطر إلى إغلاق محلاته التجارية، بينما سعى آخرون إلى إيجاد مصادر دخل أخرى بجانب الجزارة. هذه الأزمة، التي تبدو عميقة، تؤثر ليس فقط على الجزارين بل على نمط استهلاك اللحوم لدى المغاربة، ما يعكس اختلالات في السوق وحالة من عدم الاستقرار الغذائي.
- غلاء اللحوم يعصف بالقدرة الشرائية للمستهلكين
لم تعد اللحوم الحمراء سلعة أساسية بالنسبة للكثير من الأسر المغربية، بل أصبحت رفاهية شبه محظورة.
ففي محلات الجزارة، يمكن للمستهلك أن يرى مشاهد غريبة تعكس الوضع الراهن: "20 درهم من اللحم، وما تكترش لعظم"؛ هذه الكلمات ترددها العديد من النساء اللائي يأتين لشراء أقل كمية ممكنة من اللحوم، مع الحرص على تجنب دفع المزيد.
أسعار اللحوم وصلت مستويات صعبة على قدرة المستهلك تقدر ما بين 120 بالنسبة إلى لحم البقر و 130 درهمًا للكيلوغرام الواحد بالنسبة لصنف المعز، ما جعل الكثيرين يتجنبون شراء اللحوم الحمراء إلا في أوقات استثنائية، مثل الأعياد والمناسبات.
بحسب معطيات رسمية، يستهلك الفرد المغربي سنويًا أقل من 12 كيلوغرامًا من اللحوم الحمراء، وهو رقم بعيد جدًا عن المعدل الذي حددته منظمة الصحة العالمية (50 غرامًا يوميًا لكل فرد).
هذا الانخفاض في الاستهلاك لا يعكس فقط الواقع الاقتصادي الصعب، بل يدل أيضًا على مشكلة سوء التغذية التي يعاني منها المواطنون، حيث يصبح البروتين الحيواني بعيدًا عن مائدة العديد من الأسر، ما يعرض صحتهم للخطر.
أزمة مهنية تزداد تعقيدا
إن ارتفاع الأسعار والتقشف في الاستهلاك لم يكن إلا جزءًا من المعاناة التي يعاني منها الجزارون.
فالعديد من أصحاب المحلات اضطروا إلى إغلاق أبوابهم أو تقليص نشاطاتهم بشكل ملحوظ.
وفي أغلب الأحياء الشعبية حيث كانت محلات الجزارة منتشرة بشكل كبير بفضل اقبال المواطنين على شراء اللحوم حينما كانت اسعار رؤوس المواشي في متناول مهنيي الجزارة ، وكان حينها القطيع الوطني يحقق إكتفاء ذاتي ، لكن الوضع بحسب عدد من الجزارين في تصريح ل " هبة بريس " أن الأمور أصبحت "مستحيلة" الآن ، حيث لم يعد هناك إقبال كبير على اللحوم الحمراء.
يقول احد الجزارين : "الناس لم يعودوا يشترون اللحوم كما كانوا يفعلون من قبل. أسعار اللحوم أصبحت تتجاوز طاقتهم، خاصة بعد أن وصل ثمن الكيلوغرام الى 120 درهمًا".
بعض هؤلاء كشفوا للجريدة ، ان العديد من الجزارين الذين ارتبطوا بالمهنة لعقود، عوض إغلاق محلاتهم لارتباطهم الوجداني بالناس والمكان فضلوا إضافة أنشطة جانبية إلى محلاتهم مثل بيع منتجات أخرى كالمجمدات والمواد الغذائية الأخرى من أجل تغطية تكاليف المحل.
لكنه في ذات الوقت يقرون بأن الوضع لا يبشر بخير، والعديد منهم في المهنة اضطروا إلى إغلاق محلاتهم بسبب الخسائر الكبيرة التي تكبدوها.
الوسطاء وارتفاع الأسعار: اللوم على "الطريق الطويل" للحوم
أما على صعيد الأسواق، فلا يقتصر مشكل غلاء الأسعار على المستهلكين فقط، بل يتعداهم إلى الجزارين أنفسهم. حيث يوضح المهنيون أن أحد الأسباب الرئيسية لارتفاع أسعار اللحوم يعود إلى وجود العديد من الوسطاء الذين يرفعون الأسعار بشكل غير مبرر.
"نشتري الأبقار من السوق ونجد أنفسنا مضطرين إلى دفع ثمن أعلى بعد أن يتم تداولها بين وسطاء، ما يجعل الثمن يتضاعف"، يقول أحد الجزارين الذي فضل عدم ذكر اسمه. ويضيف أن "السعر النهائي للمستهلك يصبح أكثر ارتفاعًا نتيجة لهذه الزيادات المتتالية".
وفي هذا السياق، يشير المهنيون إلى أن سعر البقرة قد يرتفع بمقدار 3 آلاف درهم من خلال سلسلة من الوساطات التي تبدأ منذ منتصف الليل، ويستمر التداول بالأسعار بين الوسطاء حتى الصباح.
هذا الأمر يتسبب في زيادة سعر اللحوم بنسبة تصل الى 15 درهما في الكيلوغرام الواحد. هذه الزيادات التي يتسبب فيها الوسطاء تجعل الأسعار تفوق قدرة المستهلكين.
المجازر: ظروف العمل تزداد سوءًا
الأزمة التي يمر بها قطاع الجزارة تتجاوز
فقط موضوع الأسعار لتشمل أيضًا ظروف العمل في المجازر. اغلبية المجازر في المغرب لا تتوفر فيها الشروط اللازمة بل ان بعضها لا يصلح حتى يكون إسطبلا ، رغم ان هذا الوضع دفع بوزارة الفلاحة تحت إشراف " أونسا " إلى خلق مجازر حديثة لازال اغلبها في طور الإنجاز ،لكن في العموم ان اغلب المذابح لا تتوفر على المعايير الصحية الأساسية. ففي الدار البيضاء، على سبيل المثال، يعتبر البعض أن المجازر التي تديرها شركة أجنبية تفتقر إلى الكفاءة، مما يؤثر على إنتاجية اللحوم وجودتها.
"المجازر الحديثة لم تحسن الأوضاع كما كان متوقعًا، بل بالعكس، فإن إنتاجية اللحوم تراجعت بشكل كبير مقارنة مع الماضي"، يقول أحد العاملين في المجزرة البلدية.
وتؤكد التقارير أن المجزرة التي كانت تنتج ما يصل إلى 400 رأس من الأبقار يوميًا، أصبحت اليوم لا تنتج سوى 280 إلى 300 رأس فقط.
وفي المناطق القروية، تزداد الأمور تعقيدًا، حيث غالبًا ما تعمل المذابح في ظروف صحية سيئة. هذه الوضعية لا تؤثر فقط على جودة اللحوم، بل أيضًا على الأسعار التي يدفعها المواطن.
حلول مقترحة لتجاوز الأزمة
لتجاوز هذه الأزمة التي تهدد قطاع الجزارة، يطالب المهنيون بضرورة تدخل الحكومة لتنظيم القطاع بشكل أكبر، وتقليل عدد الوسطاء الذين يتسببون في رفع الأسعار. كما يشددون على ضرورة تحسين ظروف العمل في المجازر ورفع إنتاجية اللحوم المحلية.
"الوزارة يجب أن تدعم الإنتاج المحلي وتحسن الوضع في المذابح لتوفير لحوم بأسعار معقولة"، يضيف أحد المهنيين.
في الوقت ذاته، يرى البعض أن الحل يكمن في تنمية الثروة الحيوانية المحلية وتقليل الاعتماد على الوسطاء، بما يمكن من تحقيق توازن بين العرض والطلب.
إن قطاع الجزارة في المغرب، الذي يعاني من ضغوط اقتصادية كبيرة، يتطلب خطوات جادة من جميع الأطراف المعنية، بدءًا من الحكومة إلى المنتجين والتجار، لتوفير حلول مستدامة تخفف من معاناة الجزارين والمستهلكين على حد سواء.