تشهد سوريا تطورات دراماتيكية مع فرار النظام ودخول المعارضة إلى دمشق، مما يفتح الباب أمام تساؤلات معقدة حول مستقبل البلاد ومآلات الثورة، حيث دفع الشعب السوري ثمنا باهظا لتحقيق التحرر، لكن العوامل الجيوسياسية والتوازنات الإقليمية تظل حجر الزاوية لفهم المشهد الراهن وتحليل تحديات المرحلة المقبلة.
وفي هذا السياق أفاد الخبير في العلاقات الدولية أحمد نور الدين في تصريحه لـكشـ24، “لا شك أن فهم ما يجري الآن في سوريا من التعقيد، بحيث يصعب إعطاء قراءة موضوعية وواضحة في اليوم الأول من فرار الطاغية ودخول المعارضة الى العاصمة دمشق”.
وأضاف نور الدين، أن الشعب السوري دفع ثمنا باهضا في ثورته من أجل التحرر من الدكتاتورية، وقدم ضريبة غالية جدا تجاوزت نصف مليون من الشهداء وحوالي أحد عشر مليون من المُهجّرين داخليا وخارجيا، حسب أرقام مرصد الثورة السورية.
واستدرك المتحدث ذاته، أن انتصار الثورة تتداخل فيه عوامل جيوسياسية كثيرة تماما كما كانت تلك العوامل نفسها سببا في دعم بقاء النظام الدكتاتوري السوري بعدما كادت الثورة في سنواتها الأولى أن تسقطه، ولولا تدخل روسيا بثقلها وتدخل إيران بكل قوتها العسكرية وميليشياتها الطائفية الشيعية من كل بقاع الأرض، لما استطاع النظام السوري البقاء إلى اليوم.
لذلك، يضيف مصرحنا، “لا يمكن أن نفصل انهيار النظام عن المتغيرات الإقليمية والدولية التي حصلت مؤخرا وعلى رأس هذه المتغيرات إضعاف حزب الله اللبناني الذي كان لديه اكثر من عشرين الف مقاتل في سوريا للدفاع عن نظام بشار الأسد، ولكن هذا المعطى لا يكفي لتفسير ما جرى، أكيد أن هناك حسابات أخرى مرتبطة بإدارة الحرب الجارية بين روسيا والدول الغربية على الساحة الأوكرانية، كما أنه من المؤكد أن هناك تفاهمات أمريكية تركية، وربما تم إشراك بعض دول الخليج أيضا حول ما بعد سقوط بشار، وإعادة صياغة خرائط التحالفات في المنطقة”.
وزاد الخبير في العلاقات الدولية، “لا يمكن أيضا أن نلغي ذكاء قيادة الفصائل السورية التي توحدت قبل فترة واستفادت من دروس انقسامها سابقا، وأخيرا، اختيار التوقيت كان مهما جدا، فالظرفية الحالية تتميز بفترة انتقال السلطة في البيت الأبيض، مما يقلص هامش مناورتها نسبيا طبعا.
وأكد نور الدين، أن الظرفية الزمنية تتميز بانهيار محور إيران وتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، بالإضافة الى معاناة روسيا في اوكرانيا، حيث لا يمكن القفز على الدور المركزي لتركيا على كل المستويات السياسية والعسكرية واللوجستية، معتبرا أن المرحلة القادمة تبقى هي الأخطر.
وتساءل مصرحنا قائلا: “هل ستنجح فصائل الثورة السورية المتباينة ايديولوجيا في تأمين الانتقال من الثورة إلى الدولة بشكل سلمي آمن؟ أم أنها ستعيد إنتاج التجارب الكارثية في دول الربيع من اقتتال على السلطة؟، طبعا الجواب على هذا السؤال لا يرتبط بالسوريين وحدهم، بل تتدخل فيه الأيادي الخارجية التي قد تكون من مصلحتها إبقاء الفوضى في هذا البلد المحوري في أي ترتيبات للنظام الإقليمي الجديد بمنطقة الشرق الاوسط، فسوريا لها حدود مع العراق ومع السعودية ومع تركيا بالإضافة إلى لبنان والاردن.
وشدد نورالدين، على أن هذا الوضع الجيوسياسي يجعل اللاعببن الاقليميين والدوليبن يسعون إلى ضمان مكان حول طاولة اي ترتيبات مستقبلية في سوريا، وهناك القضية الكردية التي تشكل هاجسا لتركيا، بالإضافة إلى الفصائل المقاتلة المصنفة ضمن الجماعات الارهابية، مما سيجعل مشاركتها في الحكم أمرا مرفوضا عربيا وغربيا.
وختم أحمد نور الدين تصريحه قائلا: “بالنسبة لنا في المغرب، اتمنى أن تتجند الخارجية المغربية لاستثمار سقوط النظام السوري من أجل تسريع إسقاط حليفه النظام العسكري الجزائري الذي دعم نظام بشار الاسد الى آخر رمق، وهذه فرصة لا يجب إضاعتها”.