ترأس الملك محمد السادس، بداية الأسبوع الجاري، جلسة عمل بالقصر الملكي بالدار البيضاء خصصت لمراجعة مدونة الأسرة، تأتي هذه الجلسة كتتويج لمسار تشاوري واسع وشامل، بهدف صياغة إطار قانوني وتحسين أوضاع النساء وتعزيز مكانة الأسرة المغربية بشكل عام.
وخلال الجلسة المذكورة قدم وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق عرضا بين يدي جلالة الملك تضمن المسائل التي وافق عليها المجلس العلمي الأعلى ويتعلق الأمر بإمكانية عقد الزواج، بالنسبة للمغاربة المقيمين بالخارج، دون حضور الشاهدين المسلمين في حال تعذر ذلك، وتخويل الأم الحاضنة النيابة “القانونية” عن أطفالها، واعتبار عمل الزوجة المنزلي مساهمة في تنمية الأموال المكتسبة خلال قيام العلاقة الزوجية، ووجوب النفقة على الزوجة بمجرد العقد عليها، وإيقاف بيت الزوجية عن دخوله في التركة، وجعل ديون الزوجين الناشئة عن وحدة الذمة على بعضهما، ديونا مقدمة على غيرها بمقتضى الاشتراك الذي بينهما، وبقاء حضانة المطلقة على أولادها بالرغم من زواجها.
وفي هذا السياق، أكد لحسن السكنفل رئيس المجلس العلمي المحلي لعمالة الصخيرات-تمارة أن “هذه التعديلات التي تم الإعلان عنها يؤطرها قول أمير المؤمنين بأنه لا يحلل حراما ولا يحرم حلالا ولا يتجاوز نصا قطعي الدلالة سواء أكان من القرآن الكريم الذي هو قطعي الثبوت كله، وفيه نصوص قطعية الدلالة هي كليات الدين، أو من السنة النبوية الشريفة التي بعضها قطعي الثبوت وبعضها ظني الثبوت، وكذلك بعضها قطعي الدلالة وبعضها الآخر ظني الدلالة، مبرزا أن كل ما هو قطعي الدلالة قرآن كان أو سنة لا يمكن تجاوزه أو المساس به”.
وأوضح السكنفل في تصريح خص به “كشـ24” أن “التعديلات التي تمت الموافقة عليها تدخل في ما هو ظني الدلالة أو ما لا نص عليه لا في الكتاب ولا في السنة ويدخل في دائرة الاجتهاد المراعي لمصلحة الأسرة زوجا وزوجة وأبناء وأرحاما (الأب والأم والإخوة والأخوات)”.
وقال المتحدث: “إن أمير المؤمنين مولانا محمد السادس نصره الله بموجب عقد البيعة هو حامي حمى الملة والدين والضامن لحقوق المواطنات والمواطنين في إطار كليات الدين ومقاصد الشريعة التي حددها العلماء في كفالة الضروريات وحفظ الحاجيات وتوفير التحسينات، فالضروريات خمس هي الحياة والدين والعقل والمال والنسل، وتحت هذا المقصد الضروري الأخير يدخل الحفاظ على الأسرة، أما حفظ الحاجيات فيتعلق برفع المشقة ودفع الحرج في حين تتعلق التحسينات بأمهات الفضائل ومكارم الأخلاق التي يجب أن تسود المجتمع والتي تسهم في تحقيق السلم المجتمعي وحفظ النظام العام”.
وفي جوابه على سبب رفض الهيئة العلمية للإفتاء لثلاث مسائل وهي “استعمال الخبرة الجينية للحوق النسب”، و “إلغاء العمل بقاعدة التعصيب”، و “التوارث بين المسلم وغير المسلم”، أكد السكنفل لـ “كشـ24” أن سبب ذلك راجع إلى كون تلك الأمور “تخالف النصوص القطعية المتعلقة بها، مبرزا أن الهيئة العلمية قدمت مقترحات بديلة منها ما يتعلق بالنسب وهو أن يتحمل الأب البيولوجي مصاريف الطفل الناتج عن علاقة غير شرعية متى ثبت ذلك عبر الخبرة الطبية دون أن يلحق بنسبه لكون النسب قضية شرعية لا يمكن البث فيها عبر الخبرة الطبية لأن لها تبعات تحيل إلى اختلاط الأنساب وإلى وجود أسرة غير الأسرة التي أساسها الزواج وليس غيره”.
وفي إطار الجدل القائم على مراجعة مدونة الأسرة، شدد السكنفل على أن “غالبية المغاربة مسلمون يَدِينون بالإسلام منهجا لحياتهم وأن الدولة المغربية دولة إسلامية تستمد تشريعاتها من مبادئ الشريعة الإسلامية السمحة، وأن الإسلام لاخوف عليه مادام هناك قرآن يتلى وسنة نبوية تتبع وسيرة محمدية يقتدى بها”.
ويشار إلى أن هذه التعديلات أثارت جدلا واسعا بين المهتمين بالرأي العام بالبلاد، بين منتقد ومشيد، ففي الوقت التي أكد فيه العديد من المواطنين أن هذه المقترحات تعتبر محطة تاريخية نجحت من خلالها نساء المغرب في انتزاع مجموعة حقوق كن محرومات منها، أبرز مهتمون آخرون أن هذه التعديلات هي تحصيل حاصل ولن تغير في الواقع شيئا لأنها لم تشمل بعض المسائل المهمة في المجتمع كاعتماد تحليل الحمض النووي في إثبات النسب، ومسألة التعصيب.
ومن جهة أخرى، شن العديد من المواطنين حملة انتقادات لاذعة على نتائج مراجعة مدونة الأسرة، كاشفين أنها جاءت في مصلحة المرأة على حساب الرجل، حيث أبرزوا أن هذه الخطوة ستزيد من نسبة عزوف الشباب عن الزواج، لأنها تضع الرجل في حرب مع المرأة، قبل زواجه، وأثناء زواجه، وفيما بعد الطلاق، وبعد الممات.