قراءة في قرار “الطاس”
بقلم نورالدين زاوش
رئيس جمعية المعرفة أولا
كثر اللغط، وانتشر الهرج والمرج، بين الإعلام المغربي ونظيره الجزائري، حول قرار المحكمة الرياضية فيما يخص ما بات يُعرف بقضية "قمصان نهضة بركان"، فكل طرف يتغنى بالقرار وكأنه نصر عظيم وفتح مبين؛ والحقيقة أنه قرار تقني محظ، ينتصر لمبادئ الرياضة التي من الواجب أن لا تقترب منها السياسة لا من بعيد ولا من قريب، كما ينتصر لاحترام القانون الذي يجب أن يشمل الجميع بدون استثناء.
أهم بنود هذا القرار تمثَّل في أمرين لا ثالث لهما؛ تثبيت نتائج نصف النهائي الذي جمع بين فريق "نهضة بركان" و"اتحاد العاصمة"، ثم إبداء ملاحظة للكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم من أجل مراجعة لوائحها فيما يخص جواز حمل الفُرق لخرائط بلدانها، على اعتباراها تتضمن إشارات ذات حمولة سياسية، وهما قراران أعتبرهما شخصيا في غاية الحكمة والتبصر، خصوصا وأن هناك بلد عجيب يقتسم معنا الماء والهواء، ليس في قاموسه مثل هذه الأخلاق أو السلوكيات، كما أنه مستعد، تمام الاستعداد، لأن يدمر الرياضة في القارة السمراء، مثلما دمر الاقتصاد والأمن والأمان.
لقد أرغد إعلام الكابرانات وأزبد، وطبّل وزمّر، وملأ الدن
hibapress.com
بقلم نورالدين زاوش
رئيس جمعية المعرفة أولا
كثر اللغط، وانتشر الهرج والمرج، بين الإعلام المغربي ونظيره الجزائري، حول قرار المحكمة الرياضية فيما يخص ما بات يُعرف بقضية "قمصان نهضة بركان"، فكل طرف يتغنى بالقرار وكأنه نصر عظيم وفتح مبين؛ والحقيقة أنه قرار تقني محظ، ينتصر لمبادئ الرياضة التي من الواجب أن لا تقترب منها السياسة لا من بعيد ولا من قريب، كما ينتصر لاحترام القانون الذي يجب أن يشمل الجميع بدون استثناء.
أهم بنود هذا القرار تمثَّل في أمرين لا ثالث لهما؛ تثبيت نتائج نصف النهائي الذي جمع بين فريق "نهضة بركان" و"اتحاد العاصمة"، ثم إبداء ملاحظة للكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم من أجل مراجعة لوائحها فيما يخص جواز حمل الفُرق لخرائط بلدانها، على اعتباراها تتضمن إشارات ذات حمولة سياسية، وهما قراران أعتبرهما شخصيا في غاية الحكمة والتبصر، خصوصا وأن هناك بلد عجيب يقتسم معنا الماء والهواء، ليس في قاموسه مثل هذه الأخلاق أو السلوكيات، كما أنه مستعد، تمام الاستعداد، لأن يدمر الرياضة في القارة السمراء، مثلما دمر الاقتصاد والأمن والأمان.
لقد أرغد إعلام الكابرانات وأزبد، وطبّل وزمّر، وملأ الدنيا جعجعة؛ إلا إنها جعجعة بدون طحين، فدعوة المحكمة الرياضية لحث "الكاف" لمنع الخريطة على القمصان، اعتبره إعلام الكابرانات البليد، دليل على أن تلك الخريطة وهمية؛ والحقيقة أنها لو كانت وهمية بالفعل، لما أقرَّت محكمة التحكيم الرياضية بنتائج المباريات التي جرت بهذه الخريطة "الوهمية".
بغض النظر عن مدى الجنون الذي ألمَّ بهذا النظام الخبيث، الذي نخر اتحاد المغرب العربي في الصميم، وبغض النظر عن مرضه النفسي الذي يطفو إلى السطح كلما رأى خريطة المغرب كاملة مكتملة، سواء على الجدران أو القمصان أو في أي مكان كان، وبغض النظر عن كمية الرعب الذي يدِب إلى أوصاله كلما تعلق الأمر بالصحراء المغربية المباركة، فقد ارتأت "الطاس"، من أجل وأد الجدالات السياسية في المجال الرياضي، أن تتجاوز هذا الهوس المرضي لهذا النظام الأهبل بذكاء وعقلانية، مادامت ليست المكان المناسب لحل هذا النزاع المفتعل، ومادام بإمكان فريق "نهضة بركان" أن يلعب بقميص لا يحتوي على هذه الخريطة، عكس فريق "اتحاد العاصمة"، المغلوب على أمره، والذي يتعذَّر عليه أن يلعب وهو يرى تلك الخريطة الشبح تلاحقه لاعبيه على رقعة الملعب؛ فتخنق أنفاسه، وتجعل صدره ضيقا حرِجا كأنما يصَّعد في السماء.
ما يُستفاد من هذا القرار، هو أن محكمة التحكيم الرياضية كانت أرحم على "اتحاد العاصمة" من عسكره الخبيث، والذي لم، ولن، يتردد في جرِّ فرُقه الرياضية إلى "نار جهنم"، حينما يتعلق الأمر بوساوسه السياسية التي مازالت تعشش في رأسه منذ أكثر من ستين عاما، وأنها – الطاس - إنما قررت ما قررته تماشيا مع قاعدة "سيروا سير أهبلِكم" على منوال قول الرسول عليه الصلاة والسلام: "سيروا سيْر أَضْعفِكم".
إن قرار محكمة التحكيم الرياضية موَجه بالدرجة الأولى والأخيرة للكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، وهو لا يعني من قريب أو من بعيد فريق "نهضة بركان" الذي تأسس قبل دولة الجزائر بربُع قرن، وفي حالة ما عقدت "الكاف" مؤتمرا استثنائيا وراجعت لوائحها مانعة بذلك وضع الخرائط على القمصان، تجنبا لجدالات الكابرانات الذين خسروا المعركة في الأمم المتحدة، فإن الفريق المغربي سيكون أول من يلتزم به، تماما مثلما رصّع الفريق المغربي قمصانه بالخريطة المباركة حينما كانت لوائح "الكاف" تجيز ذلك؛ لأن المملكة المغربية الشريفة بلد الحق والقانون، وقد ورَّثت مؤسساتها السياسية والاقتصادية والرياضية هذه الأخلاق والسلوكيات؛ عكس جمهورية الشر التي ورّثت الشر لمؤسساتها ومجتمعها وكل أطيافها بلا استثناء.
عدم وجود خريطة المغرب على أقمصة "نهضة بركان" لا يُعتبر نصرا للنظام الجزائري الأهبل؛ ولا حتى عُشر نصر؛ بل هو هزيمة شنعاء في ثوب نصر مُقنع؛ لأن المغرب، بكل بساطة، لا يستمد سيادته على صحرائه من وجود مثل هذه الخرائط على الأقمصة؛ بل إن الصحراءَ مغربيةٌ قبل حتى إنشاء فريق "نهضة بركان" سنة 1938م بقرون عدة، وما يحاول العسكر الجزائري ترويجه في الإعلام، هو فقط رقصة الديك المذبوح بحثا عن نصر زائف علّه يسد به الأفواه الفاغرة، ويعمي به العيون الجاحظة، وكما قالت العرب: "حراما يركب من لا حلال".