توفي الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، الحائز جائزة نوبل للسلام، عن عمر يناهز 100 عام في منزله بمسقط رأسه في ولاية جورجيا (جنوب شرق)، بحسب ما أعلنت منظمته الخيرية الأحد، في نبأ أثار سيلا من ردود الفعل المنوّهة بالراحل الكبير.
وقال “مركز كارتر” في بيان إنّ “جيمي كارتر، الرئيس التاسع والثلاثين للولايات المتحدة والذي حاز في 2002 على جائزة نوبل للسلام، توفي بسلام الأحد في 29 دجنبر، في منزله في بلينز بولاية جورجيا، محاطا بأفراد عائلته”.
وكان كارتر يتلقى رعاية تلطيفية للمسنّين منذ منتصف فبراير 2023 في منزله ببلدة بلاينز حيث ولد وأدار مزرعة للفول السوداني قبل أن يصبح حاكما لجورجيا ثم يترشح للبيت الأبيض.
وقال نجله تشيب كارتر في بيان “كان والدي بطلا، ليس بالنسبة لي فحسب، بل لكلّ من يؤمن بالسلام وحقوق الإنسان والمحبّة المتفانية”.
وسارع جميع الرؤساء الأمريكيين الذين خلفوه وما زالوا على قيد الحياة إلى نشر برقيات تعزية أشادوا فيها بمزايا الراحل وإرثه.
وقال الرئيس جو بايدن إنّ كارتر كان “رجل مبادئ وإيمان وتواضع”، مؤكّدا أنّ جنازة رسمية ستقام للراحل في العاصمة الفدرالية واشنطن، لكن من دون أن يحدّد موعدها.
من جانبه، قال الرئيس المنتخب دونالد ترامب إنّ الراحل “فعل كل ما في وسعه لتحسين حياة جميع الأمريكيين. لهذا السبب، نحن جميعا مدينون له بالامتنان”.
أما الرئيس الأسبق بيل كلينتون فقال إنّ الرئيس الراحل “عاش لخدمة الآخرين حتى آخر لحظة من حياته”، بينما قال سلفه جورج دبليو بوش إنّ إرث كارتر “سيُلهم الأمريكيين لأجيال مقبلة”.
كما نعى الرئيس الأسبق باراك أوباما سلفه، معتبرا أنّ الراحل “علّمنا جميعا ماذا يعني أن نعيش حياة مفعمة بالنعمة والكرامة والعدالة والخدمة”. وكان كارتر أكبر رئيس أمريكي سابق على قيد الحياة والرئيس الأطول عمرا، وهو أمر بدا مستبعدا بعدما أعلن الديموقراطي عام 2015 عن إصابته بورم سرطاني في الدماغ.
لكنّ المقاتل المخضرم في البحرية الأمريكية والمسيحي المتديّن تحدّى الصعاب مرارا وعاش فترة طويلة ومثمرة بعد أن قضى أربع سنوات في المكتب البيضوي كثيرا ما ينظر إليها على أنها مخيّبة للآمال.
وانتُخب كارتر رئيسا في 1976 بعد حرب فيتنام وفضيحة ووترغيت. وخلال ولايته الرئاسية الوحيدة، عمل كارتر على تعزيز حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، وحظي بعامين أولين قويين كان خلالهما مهندس اتفاقيات كامب ديفيد بين الدولة العبرية ومصر والتي أثمرت في مارس 1979 توقيع أول معاهدة سلام بين إسرائيل ودولة عربية.
وسارع الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي إلى نعي الرئيس الأمريكي الأسبق، مؤكّدا أنّ “دوره البارز في التوصّل إلى اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل سيظلّ محفورا في سجلات التاريخ البيضاء”.
لكنّ كارتر تعرّض لانتقادات شديدة في بلاده خلال أزمة احتجاز الرهائن الأمريكيين في سفارة الولايات المتحدة في طهران.
وتبدّدت آمال كارتر بولاية ثانية في 24 أبريل 1980 حين أعلن فشل المهمة العسكرية التي نفّذها الجيش الأمريكي لتحرير هؤلاء الرهائن.
وبعد مغادرته البيت الأبيض، أسّس الرئيس الـ39 للولايات المتّحدة في 1982 “مركز كارتر” لتعزيز التنمية والصحة وحلّ النزاعات حول العالم.
ولم يتعب الرئيس الراحل من السفر حول العالم، إذ قادته مساعيه الدبلوماسية سواء للقيام بوساطة أو لمراقبة الانتخابات إلى أربع جهات العالم، من المكسيك والبيرو مرورا بنيكاراغوا وتيمور الشرقية ووصولا إلى كوريا الشمالية والبوسنة.
وفي 2002، فاز كارتر بجائزة نوبل للسلام تكريما على ما بذله “طوال عقود من جهود دؤوبة لإيجاد حلول سلمية لنزاعات دولية”.
والأحد، أعرب المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس عن حزنه العميق لوفاة كارتر، الرجل الذي “أنقذ حياة عدد لا يحصى من الناس” بفضل الجهود التي بذلها لمكافحة الأمراض.
وكان كارتر منخرطا بقوة في منظمة “هابيتات فور هيومانيتي” غير الحكومية المعنية بتحسين ظروف الإسكان للأسر المنخفضة الدخل ولم يتوان حتى عندما بلغ التسعين من عمره عن الذهاب إلى الورش برفقة زوجته روزالين، رفيقة عمره التي فارقته العام الماضي. وتوفيت روزالين في 19 فبراير 2023 عن عمر يناهز 96 عاما، بعد زواج دام 77 عاما.
والتقت روزالين بكارتر في 1945 عندما كانت في الجامعة وكان هو في إجازة من الأكاديمية البحرية الأمريكية في أنابوليس.
وتزوّج جيمي وروزالين كارتر في 1946 وأصبحا مذّاك زوجين لا يفترقان سواء في الحياة العامة أو الخاصة. وأصيب كارتر في تسعينياته بسرطان الدماغ لكنّه شفي منه، وكان في آخر أيامه عاجزا عن النطق بسبب وضعه الصحّي ويتنقّل على كرسي متحرّك.