محمد منفلوطي_ هبة بريس
أسال النقاش العمومي حول التعديلات المرتقبة التي قد تطال مدونة الأسرة، ( أسال) الكثير من المداد المطبوع بالجدل الواسع الذي خيّم على المشهد العام، بيد أن منصات التواصل الاجتماعي كان لها الوقع والأثر في الرفع من منسوب النقاش بين معتبرا الخطوة بالايجابية التي تروم تحقيق مزيدا من العدالة والمساواة، وبين من رأى فيها تهديدا لقيم الأسرة المغربية التقليدية.
أستاذ القانون الدستوري " عبد الحفيظ اليونسي"، تفاعل مع القضية عبر طرحه لخمس مقدمات، سبق وأن تناولت " هبة بريس" اثنتين منها"، ليعرج اليوم على مقدمته الثالثة تحت عنوان "مدونة الأسرة والنسوانية".
واستهل أستاذ القانون الدستوري بكلية العلوم القانونية والسياسية بسطات " حفيظ اليونسي"، مقدمته الثالثة بالتحليل والنقاش الهادف حيث قال:
" إن منطق اشتغال الحركة النسوية في الخمسين سنة الأخيرة تمحور حول فكرة الانتقال من "النحن" النساء كجماعة طبيعية تعرف نفسها ك" جنس" الى فكرة النساء كجماعة اجتماعية "الجندر"، هذا التحول صاحبه خطاب مظلومية يسعى الى " جبر الضرر". وهي مظلومية وجبر ضرر يجب أن يعتمد على الدولة -اتم الإشارة إليها في المقدمة الأولى –لتحقيقه من خلال سياسات وبرامج وقرارات عمومية يتم تنزيلها عن طريق سلطة الاكراه المادي والمعنوي التي تتوفر عليها(وهنا وجه التناقض كيف ان الليبرالية تقوم على أساس قليل من الدولة لكن في مجال السياسات المرتكزة حول الأنثى هناك طلب مكثف على الدولة)".
وأضاف الأستاذ اليونسي أنه وبموازاة هذا السعي تعتبر الحركة النسوية أن الأسرة هي مجال انتاج اللامساواة وأن عمل المرأة دون مقابل في البيت هو أحد أوجه الاستغلال التاريخي المستمر والمتواصل الذي لا بد من القطع معه، من خلال التغيير العميق لهندسة الوظائف والأدوار الاجتماعية وهو تغيير يتم عن طريق آليات التنشئة الاجتماعية المملوكة للدولة أساسا المدرسة ووسائل التأطير والاعلام التقليدي منها أو الحديث، بالتالي لا بد من اعتماد قوانين لإصلاحها بما يتوافق ورؤية المظلومية وجبر الضرر والنضال من اجل كسر سيطرة الرجل على كل المؤسسات سواء الاجتماعية منها أو الدولتية،. اذن جوهر الرؤية النسوانية قائم على فكرة الصراع مع الرجل وهي رؤية مناقضة تماما للرؤية المعتمدة في الإسلام.
وأكد الأستاذ حفيظ اليونسي على أن الحوار اليوم مع النسوانية يشبه حوار الطرشان لأنه ينطلق من مسلمات الصراع مع الرجل وأن مظلومية المرأة مرده الأساسي للمرجعية الدينية التي تغذي واقع الظلم وتكرس سيطرة الرجل، بالتالي لابد من المواجهة المباشرة مع هذه الرجعية ولا يهم نص قطعي أو ظني والاصل هو إعمال العقل دون قيود، "للتحرر من قرون من الاستغلال والتهميش"، مع الاستقواء بمؤسسات الدولة والمؤسسات الدولية التي تفرض رؤاها، وهو فرض يجعل من سيادة الدولة كلام في كلام.
وتساءل حفيظ اليونسي بالقول: " هل الإسلام غير قادر على رفع بعض مظاهر الظلم الحالَّة بالمرأة سواء داخل الأسرة أو المجتمع أو بالمؤسسات؟ الجواب على السؤال هو في إطار ما ينبغي أن يكون، والجواب عليه يتطلب جهدا نظريا وفكريا، لكن أيضا مؤسسات لتنزيله، وواقعيا و- باختصار شديد- تدبير هذا الوضع مرتبط بموازين القوى بين من يتمترس خلف إمكانيات الدولة الهائلة لفرض قناعاته وبين الغالبية المرتبطة بمرجعيتها التي تملك القدرة الدائمة على انتاج اليات للمقاومة والممانعة".
وإلى المقدمة الرابعة التي ستكون تحت عنوان : "مدونة الاسرة وسياسات الهوية".